ذُكرت في القرآن الكريم في أكثر من موضع، ولكني سأتحدث هنا عن رحلتي مع فتية الكهف تحديداً.. فأصغوا إليَّ جيدًا.
كان ياما كان في قديم الزمان، مدينة يحكمها ملك ظالم كافر، أَجبر الناس على الكفر وعبادة الأصنام، فإذا شكَّ بأحد أنه لا يسجد لأصنامه أحضره جنده وعذبوه ليعترف إن كان يعبد إلهاً غير أصنامه، ولا يهمهم إن قُتل تحت التعذيب.
مجموعة من الفتية نسيت عددهم الآن بعد مرور عدد كبير من السنوات، كانوا يعبدون الله وحده لا شريك، يجتمعون سراً بعيداً عن الأعين، ويذكرون الله ويدعونه ويتعبدون له.. ولكن انتشار جند الملك في كل مكان، بدأ يشعرهم بالخوف، فقد يعثرون عليهم وهم يتعبدون، فيقبضون عليهم ويعذبونهم كما يفعلون عادة..
قال أحد الفتية: "أصبح من الخطر علينا أن نلتقي ونجتمع على العبادة".
سأله آخر: "وماذا تقصد؟؟ هل نتوقف عن عبادة الله الذي خلقنا ورزقنا وهدانا إلى الإيمان به وحده لا شريك له؟".
أجاب الأول: "لا.. لا أقصد ذلك، وإنما يدور في بالي أننا إذا أردنا أن نستمر على ديننا دون خوف من الفتنة، علينا أن نرحل إلى مكان آمن، لنعبد الله بحرية وأمن".
قال أحدهم: "رأيك صائب يا أخي.. فلنهرب بديننا من هذه المدينة الكافرة".
وفعلاً.. ما إن أظلم الليل حتى اجتمع الفتية وحملوا بعض الطعام ومضوا خارج المدينة سيراً على أقدامهم.. كنت أتبع وأحرسهم من أي شيء قد يؤذيهم.
ساروا مسافة طويلة حتى تعبوا، وكانوا يسيرون في منطقة جبلية، فقرروا أن يبحثوا عن كهف يسترهم عن الأعين، يستريحون فيه.. وجدوا كهفاً بين الصخور، جلسوا فيه وتناولوا طعامهم، وألقوا إليَّ أيضاً ببعض الطعام وكنت رابضاً أمام مدخل الكهف أحرسهم.
نام الفتية، وشعرت بالنعاس، فمددت ذراعي، ونمت أيضاً.. ولا أدري ما حدث بعد بذلك، استيقظت على صوت الفتية يتحدثون، فنهضت وعدت لحراسة باب الكهف.
قال كبير الفتية: "ليذهب أحدكم بهذه النقود إلى سوق المدينة وليشتري لنا طعاماً نحن جائعون".. نهض أصغر الفتية قائلاً: "سأذهب أنا".. عاد أكبرهم يقول:" كن منتبهاً حتى لا يشعر بك أحدهم، فيقبضوا عليك ويعيدوك لكفرهم".
مضى الفتى إلى المدينة بحذر شديد، ودخل أزقتها ناحية السوق، استغرب عندما وجد المدينة قد تغيرت عن سابق عهدها.. ولكنه تجاهل الأمر وتابع طريقه إلى السوق، تناول بعض الأطعمة وناول البائع النقود.. حمل البائع النقود وتأملها ثم سأل الفتى:" من أي البلاد أتيت أيها الفتى؟" قال الفتى متعجباً: "من هذه المدينة!".
أخذ الناس يجتمعون حول الفتى يتعجبون من نقوده وشكله، فإذا بالجنود يحضرون أيضاً ليعرفوا ما يجري.. ثم أخذوا الفتى إلى الملك.
أدرك الفتى أن الملك الكافر الذي حكم المدينة قد مات منذ زمن بعيد، وقد تغيرت المدينة وتغير أهلها وملكها.
عاد الفتى إلى رفاقه في الكهف، فوجدهم قد ماتوا.. جلس إلى جانبهم وقُبضت روحه أيضاً بعد أن عرف الناس حكايتهم وأدركوا أن الفتية قد ناموا في الكهف 309 سنوات.