شهد العالم تطورًا كبيرًا ونقلة نوعية في كيفية التواصل بين البشر، بدءًا بالوسائل التقليدية وصولًا إلى تطور هائل بالتكنولوجيا تمثل في ظهور الحواسيب والأجهزة المحمولة، وانتشار شبكة ضخمة من المعلومات الإلكترونية وهي ما تعرف بشبكة الإنترنت، الأمر الذي أحدث فارقًا عظيمًا في حياة البشرية وحمل فوائد عظيمة، إذ عمل هذا التطور على تقريب المسافات وسهولة الاتصال والتواصل بين أقطار العالم وتكوين صداقات ومعارف جديدة خارج نطاق الأسرة، وعلى الرغم من هذا التطور إلا أنه أفضى إلى ظهور العديد من المشاكل والتي أصبحت تشكل عائقًا أمام تحقيق أهداف التطور والتقدم، ومن هذه المشاكل الجرائم الإلكترونية؛ حيث شهدت انتشارًا كبيرًا في الآونة الأخيرة نتيجة للتطور الحاصل في وسائل التواصل الاجتماعي والإقبال المتزايد على تلك المواقع التي استهدفت العديد من الفئات المجتمعية كالأطفال والفتيات والمراهقين ورجال الأعمال وغيرهم، وقد أصبحنا في عصر انتشار تكنولوجيا المعلومات أكثر عرضة للوقوع كضحايا للجرائم الإلكترونية، فانتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة يعد سلاحًا ذا حدين، يمكن استخدامها من أجل تسهيل الاتصالات وانتقال الثقافات المختلفة حول العالم وتقريب المسافات بين الدول والحضارات المختلفة، كما يمكن استخدامهما في التسبب بأضرار جسيمة لأشخاص بعينهم أو مؤسسات كاملة من أجل خدمة أهداف سياسية أو مادية أو شخصية.
فالجرائم الإلكترونية بدأت في الانتشار بشكل واسع مؤخرًا، وقد اختلف الفقهاء في تعريفها، فهناك من عرفها على أساس موضوع الجريمة وهناك من عرفها على أساس وسيلة ارتكاب الجريمة وعلى أساس الهدف من الجريمة ولها عدة سمات أهمها: أنها جرائم عابرة للدول، تمارس ضمن إطار الشبكة العنكبوتية، ويرتكبها مجرم معلوماتي يتسم بالمهارة والمعرفة والذكاء، كما أنها صعبة الإثبات، فقد قسمها الفقه الجنائي الإسلامي وقانون العقوبات إلى جرائم واقعة بواسطة النظام المعلوماتي، وجرائم واقعة على النظام المعلوماتي، وقد تعددت وسائل الكشف عن الجرائم الإلكترونية سواء من الناحية الفقهية أو القانونية، وللشريعة الإسلامية دور مهم في مكافحة هذه الظاهرة الإجرامية، فيما لم يضع المشرّع مفهومًا واضحًا للجرائم الإلكترونية وما زال هناك اختلاف حول ماهيتها ولكن يمكن اعتبارها أنها سلوكيات غير قانونية يقدم على ارتكابها فرد أو مجموعة من الأفراد بواسطة الأجهزة الذكية والمواقع الإلكترونية، بهدف تحقيق مكاسب مختلفة، ويكون ذلك عن طريق ابتزاز الضحية وتهديدها وتخريب صورتها أمام المجتمع الواقعي والافتراضي، أما بحسب وجهة نظر المجتمع الدولي فقد اعتبر الجريمة الالكترونية بأنها ممارسات وأعمال تتعلق بجهاز الحاسوب تسعى لتحقيق مكاسب مادية أو شخصية أو التسبب بضرر، وأطلق عليها آخرون فعل يتسبب بضرر جسيم للأفراد أو الجماعات أو المؤسسات، بهدف ابتزاز الضحية وتشويه سمعته من أجل تحقيق مكاسب مادية أو خدمة أهداف سياسية باستخدام الحاسوب ووسائل الاتصال الحديثة مثل الإنترنت، فتكون الجرائم المعلوماتية بهدف سرقة معلومات واستخدامها من أجل التسبب بأذى نفسي ومادي جسيم للضحية، أو إفشاء أسرار أمنية هامة تخص مؤسسات هامة بالدولة أو بيانات وحسابات خاصة بالبنوك والأشخاص، حيث تتشابه الجريمة الإلكترونية مع الجريمة العادية في عناصرها من حيث وجود الجاني والضحية وفعل الجريمة، ولكن تختلف عن الجريمة العادية باختلاف البيئات والوسائل المستخدمة، فالجريمة الإلكترونية يمكن أن تتم دون وجود الشخص مرتكب الجريمة في مكان الحدث، كما أن الوسيلة المستخدمة هي التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال والشبكات المعلوماتية، ويقصد بها أي فعل يرتكب متضمنا استخدام وسيلة أو نظام أو شبكة الكترونية بطريقة غير مشروعة تخالف أحكام القانون، والجريمة الإلكترونية المكتملة الأركان فيها جانٍ ومجني عليه وأداة للجريمة وتتفق مع أركان الجريمة التقليدية في الركن القانوني المعنوي والمادي، وتتجلى خطورتها في سهولة ارتكابها وتنفيذها وإخفائها في دقائق معدودة، لذلك تعتبر من أخطر جرائم العصر كونها ذات تطور مستمر وتعد من الجرائم العابرة للحدود، بالإضافة أنها ذات تأثير يؤدي إلى انعكاسات وأضرار على المجتمع في مختلف جوانبه، ومن الممكن أن تكون سببًا لارتكاب جرائم أخرى.