كلمة ثعبان مخيفة أليس كذلك؟ فلا يتبادر إلى ذهنك عندما يُذكر أمامك إلا لدغته المميتة وسمّه القاتل وجسده المخيف.. ولكن حكايته مع موسى كانت مختلفة.
خرج موسى هارباً من مصر خائفاً من ظلم وبطش فرعون الذي يحكمها ويدَّعي أنه الإله الأعلى فيها.. مضى موسى إلى مَدْيَن (المدينة القريبة من سيناء في شمال غرب الجزيرة العربية) والتقى فيها بنبي الله شعيب الذي عرض عليه أن يعمل عنده 10 سنوات في رعي غنمه ورعايتها، ليزوجه إحدى ابنتيه بعدها. أوفى موسى بالشرط وتزوج ابنة شعيب، وخرج بعائلته عائداً إلى مصر مشياً على الأقدام.
في إحدى الليالي الباردة المظلمة، ضلَّ موسى الطريق، فأمر عائلته أن ينتظروه؛ بعد أن رأى من بعيد نوراً، وأراد إحضار جذوة منه ليدفِّئ أهله في برد الليل ويضيء لهم ظلمة المكان.
مشى موسى مسافة بعيدة حين رأى نوراً ساطعاً وسمع صوتاً يناديه ويأمره بخلع حذائه، أطاع موسى، وعاد الصوت يكلِّمه قائلاً: إنني أنا الله، لا إله إلا أنا، فاعبدني.. وأكد الله لموسى أن يوم القيامة سيأتي في يوم لا يعلمه إلا الله، وستحاسب كل نفس على ما فعلت.
سأل الله موسى: ما هذا الذي في يمينك؟
فأجاب موسى: إنها عصاي أتكئ عليها، وأرعى بها غنمي، وأحتاجها لأشياء أُخرى.
فقال الله لموسى: ألقِها أرضاً.
ألقاها موسى.. فتحوَّلت إلى ثعبان مرعب، خاف موسى وقفز مبتعداً.. فقال له الله: لا تخف.. مُدَّ يدك وخذها.. أخذها موسى فعادت عصا كما كانت.
أمره الله أن يذهب إلى فرعون لأنه طغى واستكبر وظلم.. ويخبره أنه رسول الله، ويطلب منه أن يُخلي سبيل قومه (بني اسرائيل) من عبوديته وتعذيبه لهم، ليرتحل موسى بهم من مصر.
وبطبيعة الحال، كذَّبه فرعون وسخر منه ورفض طلبه، وطلب منه معجزة تثبت صدق قوله.. فألقى موسى عصاه، فأصبحت ثعباناً مخيفاً يتلوى أمام فرعون وحاشيته.. لم يستسلم فرعون لما يرى، بل كذَّب موسى، وقال لحاشيته: يريد موسى أن يخدعنا بسحره، سنحضر له سحرة يفضحون كذبه.. وطلب من موسى أن يُحدد موعداً يحضر فيه السحرة ويراه الناس، وقد تميز قوم فرعون ببراعتهم في السحر.
اختار موسى يوم الزينة، وهو عيد يجتمع فيه الناس بأعداد غفيرة.
وجاء اليوم، واجتمع الناس واستعد السحرة أمام فرعون، فقالوا لموسى: ألقِ.. فقال: بل ألقوا أنتم.
فألقى السحرة حبالهم وعصيَّهم فأصبحت من سحرهم كأنها ثعابين تتحرك وتتلوى.. وألقى موسى عصاه..
فتحولت العصا إلى ثعبان عظيم، زحف بسرعة إلى ثعابين السحرة وبدأ يبتلعها واحدا تلو الآخر.. ذُهل السحرة مما رأوا.. وأدركوا أن موسى ليس بساحر مثلهم، بل لديه معجزات أكبر من مستوى البشر.. إذن، موسى نبي من عند الله!
سجد السحرة وقالوا: آمنَّا برب موسى.
غضب فرعون غضباً شديداً، وهدَّد وتوعَّد.. سأصلبكم، سأقطع أيديكم وأرجلكم، أتصدقون موسى وتكفرون بي؟؟
أدرك الناس صدق موسى وكذب فرعون.. فرعون ليس إلهًا كما يدَّعي.
ولا بد يوماً للباطل أن ينكشف زيفه مهما فعل.