كيف ينظر الفلسطيني لشهر رمضان؟ هذا السؤال يفترض أن للفلسطيني في شهر رمضان نظرة خاصة تختلف عن نظرة بقية العرب والمسلمين له. وهذا الافتراض فيه قدر كبير من الصحة والصواب. الفلسطيني يشترك مع المسلمين حيثما كانوا بالنظر لشهر رمضان على أنه شهر الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، والتوبة، والإنفاق، وصلة الأرحام، ومراغمة الشيطان، ولكنه يختلف عنهم في أنه ينظر للشهر على أنه شهر يمرّ على الفلسطيني وهو تحت الاحتلال، وتحت الحصار، ويحيط به الخذلان من قادة العرب والمسلمين، ومن ثمة يجب عليه الاعتماد على النفس وتفعيل الجهاد في سبيل الله، بحثًا عن الوطن والدولة، وعن الكرامة والحرية، فهو شهر المجاهدين الأحرار.
معاني الحرية للوطن والمقدسات، وللإنسان والكرامة، لا يكاد يشعر بها الصائمون في بلاد العرب والمسلمين، لأنهم لا يعيشون ظروف الاحتلال، والاستيطان والاعتقال والحواجز، والمنع من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك! وهم أيضا لا يعيشون الحصار، وندرة الكهرباء، وقلة غاز الطعام، وغياب المياه الصالحة للشرب. وهم لا يعيشون البطالة والفقر وتوقف المصانع الفلسطينية عن العمل، ولا هدم المنازل، ولا منع ترميم القائم منها في القدس!
هذه المعاني الخاصة التي تسكن كل فلسطيني، ولا تكاد تسكن غيره من المسلمين، إلا ما ندر من أهل البصيرة، وأهل الجسد الواحد، وهؤلاء مقموعون وللأسف من حكامهم، ولا ينعدم الخير في أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبناء على ما تقدم أرى أن الفلسطيني يعيش رمضان في فلسطين عيشة خاصة ترتبط بالوطن كما ترتبط بالدين، لذا عرف شهر رمضان في السنوات الخاليات على أنه شهر المقاومة، والعمليات الفردية، والرباط في الأقصى، ولأن العدو يدرك هذه الخصوصية في شهر رمضان فإنه يستنفر قواته وآلة قمعه.
ولكن في رمضان هذا اختلف الأمر تكتيكيًّا، فقد استبق المقاومون الفرديون الشهر بعمليات موجعة للعدو في النقب، والخضيرة، وتل أبيب، ولما يبدأ الشهر بعد، ما آلم العدو، وأثبت فشل أجهزته الأمنية، فذهب يتخبط في قراراته في تشديد الحصار والقمع ونشر (١٢) كتيبة إضافية للشرطة في القدس والضفة وفي غلاف غزة، ولو أدرك الحقيقة، وأن الفلسطيني لا ينسى وطنه في كل شهور السنة، وبالذات في شهر رمضان، إذ يتزود من الشهر بمعانٍ عظيمة في مجال حب الدين وفداء الوطن ومكافحة الاحتلال والعدوان.