العقوبات الدولية أو بمعنى أصح الجزاءت الدولية نوعان؛ النوع الأول هو الذى تفرضه دولة على دول أخرى على سبيل الانتقام أو الضغط لتحقيق أهداف معينة ومثال ذلك ما شاع فى السلوك الأمريكى ضد أكثر من ربع عدد أعضاء المجتمع الدولى وقد كيف الفقه الأمريكى هذا النوع من العقوبات بأنه اجراءات مضادة تستقل الدولة بسيادتها فى تقريرها وفرضها وهى أداه من أدوات ادارة السياسة الخارجية ويقابل هذه العقوبات المعونات ولذلك فإن الدولة تلعب بورقة المعونات والعقوبات العصا والجزرة والمثال الأوضح لذلك هو العقوبات الأمريكية التى فرضتها واشنطن على إيران. والحق أن هذه العقوبات ليس لها أساس قانونى وانما يعتبر من قبيل الفوضى التى تشيعها واشنطن فى العلاقات الدولية. الهدف المعلن لهذه العقوبات يختلف تماما عن الهدف الحقيقى وكلاهما لا يستند إلى أى أساس قانونى الثورة الإسلامية فى ايران قلبت موازين المصالح الأمريكية فى المنطقة وتحدت واشنطن طوال أربعين عاما وتمكنت إيران من الصمود فى وجه هذه العقوبات ثم قدمت واشنطن أساسا جديدا لهذه العقوبات وهو اضعاف إيران حتى لا تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة وحتى لا تساعد المقاومة ضد (إسرائيل) وحتى لا تنفذ تهديدها المستمر بمحو (إسرائيل) من الخريطة ولا تزال هذه العقوبات مفروضه حتى الآن رغم أن الاتفاق النووى كان يقضى برفعها ولكن الرئيس ترامب سحب واشنطن من الاتفاق واعاد فرض هذه العقوبات ولذلك كشف زيف هذه الاهداف بل إن واشنطن تجاسرت ودفعت مجلس الأمن إلى مخالفة ميثاق الأمم المتحدة ففرض عقوبات أيضا على ايران انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة ولذلك عندما أعاد ترامب فرض العقوبات الأمريكية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى لم يجرؤ على معاودة فرض عقوبات مجلس الأمن على إيران.
النوع الثانى من العقوبات هو الأصل وهو إجراءات القمع التى يقررها مجلس الأمن ضد الدولة التى تنتهك القانون الدولى وتهدد السلم والأمن الدولى وهذه العقوبات التى يقررها مجلس الأمن على درجتين الدرجة الأولى هى اجراءات القمع غير العسكرية والثانية اجراءات القمع العسكرية ولفرضها عدد من الشروط الصارمة فى الميثاق حيث يقرر مجلس الأمن أن الدولة انتهكت الميثاق وانها تهدد السلم والأمن الدولي وفق المادة 39 من الميثاق فيفرض اجراءات مؤقته أملا فى دفع هذه الدولة عن موقفها وفقا للمادة 40 من الميثاق فإذا لم تفلح هذه الاجراءات المعقدة انتقل مجلس الأمن إلى اجراءت المادة 41 من الميثاق وهى اجراءت لا تنطوى على استخدام القوة المسلحة فإذا لم تفلح انتقل إلى اجراءت القمع العسكرية فى المادة 42 ولكن تطور مشاكل العلاقات الدولية أدى إلى تعطيل نظام الجزاءات فى الأمم المتحدة ولذلك لم ينفذ إلا مرتين فى حالة العراق بعد اعتدائها على الكويت فأصدر مجلس الأمن عددا متلاحقا من القرارات التى قامت بتفعيل نظام الجزاءات بالكامل غير العسكري والعسكري أيضا وانتهى الأمر بتشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة المتحدة على قرارات مجليس الأمن. وكانت الولايات المتحدة أيضاً قد حشدت قوات دول حليفة بمناسبة الحرب الكورية حتى تتصدى لهجوم كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية عام 1950 وبهذه المناسبة فإن واشنطن لجأت إلى الجمعية العامة لاول مرة بعد شلل مجلس الأمن بسبب الفيتو السوفيتى فيما عرف بعد ذلك بقرار الاتحاد من أجل السلم وهو القرار الذى لم يطبق إلا بمعرفة واشنطن أيضا ضد روسيا فى منتصف مارس 2022 بمناسبة الأزمة الأوكرانية .
أما فعالية العقوبات الدولية التى تتخذها دولة ضد دولة اخرى فهى تختلف من حالة إلى أخرى ولكنها كانت دائما تلحق الضرر بالشعوب والأوطان خاصة وأنها استخدمت ضد دول دكتاتورية فالحاكم لا يعاقب ولا تمتد إليه هذه العقوبات وانما قد تزدهر مكاسبه ولكن الشعوب هي التي تعاني حدث ذلك فى كل الحالات التى فرضت فيها واشنطن العقوبات على أكثر من خمسين دولة ونستثنى من ذلك نموذج الصين الشعبية والتى شنت عليها واشنطن سلسلة من العقوبات والحروب الاقتصادية والتجارية دون أن تنال من مواقف الصين.
فعالية العقوبات ضد روسيا بسبب اوكرانيا لاشك أن فرض العقوبات من جانب دول الغرب ومؤسساته على روسيا يهدف إلى اضعاف الدولة الروسية أساسا ولا يطمح إلى الضغط على الرئيس الروسى لسحب قواته من اوكرانيا لان الغرب يعلم تماما أن الغزو الروسى لاوكرانيا قصد به الرد على تحريض الغرب لاوكرانيا للنيل من المصالح الأمنية الروسية ولكن ثبت أن مؤسسات المجتمع الدولى ومنظماته تتأثر بالنفوذ الغربي كما تتأثر بظاهر انتهاك روسيا للقانون الدولى ولذلك تمت عزلة روسيا كما أن محكمة العدل الدولية أصدرت قرارا يأمر روسيا بسحب قواتها فورا من أوكرانيا بالاضافة إلى أن المحكمة الجنائية الدولية بدأت التحقيق فيما نسب إلى القوات الروسية من جرائم تدخل فى اختصاص المحكمة.
أما على المستوى الاقتصادى فإن آثار العقوبات سوف تكون فادحة بالنظر إلى حقيقتين؛ الحقيقة الأولى هى أن العقوبات الغربية على روسيا جزء من الصراع السياسى الروسى الغربى، والحقيقة الثانية هى كبر حجم الاقتصاد الروسى فى الاقتصاد العالمى ولذلك فإن العقوبات التى قررها الغرب على روسيا على كل المستويات ظاهرها مشروع ويستند إلى قرار الجمعية العامة فى منتصف مارس 2022 الذى أكد مبادئ القانون الدولى وطالب روسيا بسحب قواتها من أوكرانيا وأدان غزوها لأوكرانيا وقد حصل القرار على معظم أصوات أعضاء الأمم المتحدة ولم تعترض عليه إلا ثلاثة دول إذا استبعدنا روسيا وروسيا البيضاء وحتى الدول التى امتنعت عن التصويت حسبت مع الدول الذى أيدت القرار من الناحية الموضوعية.
أما لماذا لم تقرر الأمم المتحدة العقوبات ضد روسيا ما دام أساسها القانونى متوفرا فذلك يرجع إلى استحالة صدور قرار من مجلس الأمن فى هذا الشأن مع وجود الفيتو المزدوج الصينى الروسى.
وهكذا يتضح أن الحالة الروسية حالة فردية لا يقاس عليها فتلك المرة الأولى بعد الحرب العالمية الثانية التى تتقرر فيها عقوبات ضد دولة عظمى.