حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى شرم الشيخ، ليلتقي في اجتماع قمة ثلاثي، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. ويمثل هذا الاجتماع وما دار فيه خطوة إضافية في مسيرة التطبيع، التي نكبت بها الشعوب والدول العربية، والتي تزداد نتائجها الكارثية يوما بعد يوم، وكل مكسب ظاهري تحسب الأنظمة العربية أنها حققته، سيكون وبالا على العرب جميعا على المدى البعيد، ولن يكون سوى مكسب آني وعابر، لتأتي المصائب من بعده.
تهدف (إسرائيل) في ما تهدفه من الاتصالات مع الدول العربية، إلى تحريك ما هو خامل، وتفعيل ما هو كامن، وشحن علاقاتها بها بزخم وطاقة ما يسمى بالسلام الإبراهيمي، وجعلها ليس مجرد تحالف، بل تحالفا بالمقياس الإسرائيلي تحديدا. لقد بدأت العلاقة بدول التطبيع العربي تأخذ أشكالا عينية منها، تسارع التعاون والعمل المنظم في المجالات العسكرية والأمنية والمخابراتية، وتطوير التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات (العربية) والمشاريع المشتركة، والدعم المتبادل في الساحة الدولية، وقبل كل هذا تريد (إسرائيل) جر العالم العربي الى مواجهة مع الجارة إيران. ولكن ليس في أجندة التطبيع أي إشارة إيجابية ولو بسيطة للقضية الفلسطينية، ولا حتى لنية صانعي «السلام الإبراهيمي» بين (إسرائيل) والعرب، أن يبحثوا عن سلام عادل وحل للفلسطينيين، وكأنهم ليسوا عربا وكأنهم ليسوا من «نسل» سيدنا إبراهيم. الأمر الوحيد، الذي رشح من القمة ومن تحركات عربية أخرى، هو «قلق» من احتمال أن تصرخ القدس صرختها في رمضان، مع الاعتذار لمظفر النواب. (إسرائيل)، وبكل وقاحة، تطلب من دول عربية أن تتدخل لإسكات صوت الاحتجاج الفلسطيني على جرائمها، والمصيبة أنها تلقى تجاوبا.
أفادت المصادر الإسرائيلية أنه جرى التحضير لهذه القمة منذ أشهر، وكان من المفروض أن تكون سرية، وعلى هذا الأساس تكتم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، عليها لدرجة أنه لم يصطحب معه مصورا حكوميا كما جرت العادة. ويبدو أنه جرى في اللحظة الأخيرة اتخاذ قرار بإخراجها من السر إلى العلن، ربما لتوجيه رسالة عدم رضى مشتركة للإدارة الأمريكية، التي تسير نحو توقيع اتفاق مع إيران، يشمل تقييد مشروعها النووي مقابل رفع العقوبات عنها، ولعل أكثر ما أغضب المجتمعين في القمة هو الحديث عن موافقة أمريكية لإلغاء القرار السابق للرئيس ترامب، بإدراج الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. لقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن ترحيبها بعقد القمة التعاون ضد إيران، ولكن من الواضح أن رسالة هذه القمة الرئيسية ليست موجهة لإيران، بل جاءت كرسالة علنية مشتركة إلى الولايات المتحدة، بأن عليها القيام بدورها في ضمان الحماية لحلفائها في المنطقة.
لقد كان الموضوع الإيراني ومصير مفاوضات الاتفاق النووي في مركز مداولات القمة، حيث تعتقد (إسرائيل)، ومعها غيرها، بأن الوضع خطير في كل الأحوال. فإذا جرى التوصل إلى اتفاق في مباحثات فيينا، فإن مدخولات إيران ستزداد بمئات المليارات من الدولارات، ما يمكنها من توسيع نفوذها وتطوير أسلحتها ومضايقة خصومها، فضلا عن أنه ستجد الطريق للمضي قدما في مشروعها النووي. أما إذا وصل الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران إلى طريق مسدود وإلى إفشال المفاوضات، فإن إيران ستكون عندها في حل من أي التزام وستقوم بتسريع السير وصولا إلى العتبة النووية. في كلتا الحالتين يسعى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الى تعميق التحالف بينهم، وإلى الضغط عليها لضمان استمرار قوة وتماسك وانسجام الحلف الأمريكي، حتى لو هي انسحبت من المنطقة. ولعل من أهم آليات ذلك هو زيادة دور المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي، الممتدة على طول وعرض منطقة الشرق الأوسط وما حولها، خاصة بعد ضم (إسرائيل) إليها العام الماضي. وما جرى في هذا الإطار حتى الآن هو رفع مستوى العمل المشترك بين دول التطبيع و(إسرائيل)، عبر مناورات وعمليات وتبادل خبرات وتدريب برعاية أمريكية وتحديد تحت مظلة المنطقة الوسطى، ومعظم ما يجري في هذا السياق يبقى بعيدا عن الأضواء وعن التغطية الإعلامية، التي تصلها فقط أخبار المناورات العسكرية المشتركة.
حاول بينيت خلال القمة تسويق المشروع الإسرائيلي لحماية جوية إقليمية مشتركة (تتحكم بها إسرائيل كليا بادعاء الخبرة التكنولوجية) ضد التهديدات الآتية، حسب رأيه، من إيران وسوريا والعراق واليمن، والتي تتمثل أساسا بالصواريخ والطائرات المسيرة الهجومية. وعرض بينيت المخططات الإسرائيلية، لتطوير سلاح الليزر كدفاع جوي، وحتى يتم تطوير سلاح الليزر الجديد، فإن ما هو قيد البحث عمليا هو تزويد دول الخليج العربي بمنظومة القبة الحديدية، هنا يجب التأكيد على ثلاثة أمور: الأول، أن (إسرائيل) لم تقرر بعد بيع هذه المنظومة لدول الخليج العربي، لأنها تخشى من تسريب أسرارها إلى ما تسميها «أطرافا معادية» وثانيا، أنه لو تم شراء منظومة القبة الحديدية، فإن تدريب كوادر قادرة على تفعيلها بحاجة الى وقت طويل نسبيا، وثالثا، وهذا الممكن وهو أن يجري شراء المنظومة ونصبها في دول الخليج بحيث تقوم طواقم إسرائيلية بتشغيلها، لتضمن (إسرائيل) ألا يقترب «عرب» منها خوفا على السرية من جهة، وعلى «سمعة» المنظومة لعدم الثقة بمستوى التفعيل العربي لها. وإذا جرى نصب القبة الحديدية في الخليج، فمن شبه المؤكد أن يرافقها جنود إسرائيليون، يحققون مخطط الوجود العسكري والمخابراتي الإسرائيلي بالقرب من إيران، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على الخليج وعلى أهل الخليج.
الادعاء التطبيعي المتداول هو أن الدول العربية تجد نفسها مضطرة إلى التعاون مع (إسرائيل) كبوابة للولايات المتحدة، وكركيزة قوية لمواجهة التمدد الإيراني والتهديدات الإيرانية. ويجري تسويق هذا الادعاء وكأنه لا بديل له ولا غنى عنه للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكن حتى في سياق الأنظمة العربية القائمة هناك بدائل براغماتية وعملية ممكنة، لماذا لا تقوم دول الخليج بضخ مئات المليارات، التي تسكبها سدى وهباء، إلى الجيش المصري لبناء قوة ردع استراتيجي عربي؟ لماذا لا تحاول الدول العربية السعي للتفاهم مع تركيا وإيران على ضمان الأمن والاستقرار للجميع على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة؟ لماذا لا تفكر دول الخليج بأن الاقتراب من (إسرائيل) يضعها في منطقة الخطر الإيراني، وأن الابتعاد عن (إسرائيل) يحميها منه؟ ألا تعتقد الدول العربية أن أمن فلسطين من أمن العرب، وأن التحالف مع (إسرائيل) يعرض الأمن القومي العربي لمخاطر محسوبة وأخرى غير مسحوبة؟
من الخطأ التعامل مع التطبيع العربي كأنه أمر طبيعي، ومن الخطير الشعور بالتعب والكلل من تكرار معارضته وعدم القبول بشرعيـته.. القضية ليست فلسطين وحدها، مع أنها تستحق ذلك بحد ذاتها، بل بالمجمل لأنه لن تقوم للعرب قائمة بالتحالف مع المشروع الصهيوني. من الممكن تفهم أن المنطقة بحاجة إلى تفاهمات واصطفافات جديدة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، ولكن يجب أن يكون واضحا أن استبعاد (إسرائيل)، هو شرط مسبق لأي ترتيبات معقولة ومستدامة تصب فعلا في مصلحة الدول والشعوب. وحتى بالمنطق البراغماتي، هناك دول قوية في المنطقة غير (إسرائيل) وأقرب إلى العرب من (إسرائيل).
هناك تركيا وإيران والتفاهم معهما أصبح مصلحة عربية شاملة. فهل هناك من يأخذ المبادرة ويتحرك، حتى نسمع عن قمة بديلة تنعش الأمل عن قمة شرم الشيخ التي هي قمة في خيبة الأمل.