ما زالت أجهزة أمن الاحتلال في حالة حيرة حقيقية بعد تنفيذ عملية بئر السبع، بسبب نجاح المنفذ الذي كان تحت رادار المراقبة في الإفلات منه، وإيقاعه خسائر بشرية كبيرة، وفي وضح النهار، والأخطر من ذلك، أنه نفذ عمليته وحده، ودون تخطيط مسبق، وهذه نقاط مقلقة لدى المخابرات الإسرائيلية، تجعلها تتوقع الأسوأ في المرحلة القادمة.
وبعد أن تمكن الفلسطيني من النقب محمد أبو القيعان من قتل أربعة إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين، فمن الواضح لجهاز الأمن الإسرائيلي العام- الشاباك، أنه تصرف بمفرده دون تعاون، ودون بنية تحتية، في ظل أنه لم تكن هناك حاجة للتعاون والبنية التحتية لمثل هذا الهجوم، الذي تم تنفيذه بسكين وسيارة، ودون سلاح ناري.
مع العلم أن مصادر جهاز الأمن العام تؤكد أنه لم تكن هناك معلومات استخبارية أولية، أو ما يشير إلى أن المنفذ خطط لهذا الهجوم، على العكس من ذلك، فقد تلقى جهاز الأمن العام معلومات محدثة تشير إلى أنه منذ إطلاق سراحه من السجن الإسرائيلي، انخفضت دافعيته القومية بشكل كبير، ما يعزز التقدير بأن هذا يمثل تهديدًا كلاسيكيًا منفردًا.
حتى لو كانت هذه التفاصيل في نهاية المطاف، فإن القصة لا يمكن أن تكون مقتصرة فقط على كونها تتعلق بمسلح وحيد، لكن المسألة أكبر من ذلك، وترتبط بفقدان السيطرة الإسرائيلية على النقب، ما يستدعي من الإسرائيليين الاعتراف بالحقيقة، ومفادها أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في مايو 2021 شكل جرس إنذار لإيقاظ صناع القرار الإسرائيلي حول مشكلة فلسطينيي النقب في الداخل المحتل.
تحاول أجهزة أمن الاحتلال في الساعات الأخيرة استخلاص الدروس المستفادة من العملية القاسية، ومنها أنه لم تُتخذ جميع الإجراءات اللازمة للقضاء على مظاهر الجريمة في النقب خصوصا، وفلسطينيي الـ48 عموما، كما أن الوضع الأمني بينهم لم يعد على الأرض إلى ما قبل أيام عملية "حارس الأسوار" قبل عام من الآن، ويكفي إلقاء نظرة خاطفة على شبكات التواصل الاجتماعي، أو التحدث إلى سكان بئر السبع، بحيث يمكن أن تظهر المشاعر المعادية لدولة الاحتلال وشرطتها وأجهزتها الأمنية.
صحيح أن شرطة الاحتلال أضافت نشر الآلاف من عناصرها بين سكان النقب باعتبار ذلك أحد دروس حرب غزة الأخيرة، للحيلولة دون انخراط فلسطينيي الـ48 في أي مواجهة قادمة، ورغم ذلك فإن قيادة جيش الاحتلال تعبر عن مخاوفها الخطيرة بالقول إن "حارس الأسوار 2" ستكون أكثر عنفاً بكثير بين فلسطينيي الـ48.
يبقى التخوف الإسرائيلي الحقيقي من تكرار عملية بئر السبع في شهر رمضان القادم، لأن مكامن القلق الإسرائيلية تتركز في محاكاة وتقليد هذه العمليات من قبل الشبان الفلسطينيين، لأن هذا الهجوم كان ناجحاً، وقد يلهم الكثيرين من الشبان الفلسطينيين للتفكير باستنساخه.