فلسطين أون لاين

ملاحظات على خطاب عباس


لست أدري هل كان مؤتمرًا لفتح أم مؤتمرًا للسلطة؟! أم أن فتح هي السلطة، والسلطة هي فتح؟! هذه الملاحظة هي جزء مما يقرؤه المرؤ في خطاب محمود عباس، الذي يقول في إحدى الفقرات: "مؤخراً أسسنا المحكمة الدستورية وسننشئ المحكمة الإدارية. نحرص كل الحرص على فصل السلطات، والتأكيد على مبادئ السلطة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد، لن أسمح بالفلتان الأمني، ومواصلة حماية أملاك الدولة الفلسطينية وأملاك منظمة التحرير والوقف والعمل على إزالة أي تعديات عليها أي واحد، ومن يمد يده على أملاك الدولة سنقطعها؟!".

وثمة فقرات أخرى ترى فيها أن اللسان الذي يتحدث هو لسان السلطة وليس لسان فتح كفصيل من فصائل العمل الوطني والحزبي، ومن ثم لم يكن المؤتمر مؤتمرا خالصا لحركة فتح، بل هو لفتح وللسلطة أيضا.

كان ما تقدم هو الملاحظة الأولى، أما الثانية فإن الخطاب البليغ لغة لا يتضمن أية مواقف عملية محددة بتواريخ محددة، فهو مثلا لا يذكر متى سيعقد المجلس الوطني، ولا يذكر ماذا سيفعل في عام ٢٠١٧م بعد أن أقرّ علنًا بفشل المفاوضات؟! وهو لم يذكر أشياء محددة عن المصالحة وإنهاء الانقسام، ولم يتطرق البتة لملف اغتيال عرفات، مع أنه ذكر قبل المؤتمر أنه يعرف القاتل؟!

والملاحظة الثالثة أنه أعاد التأكيد على برنامجه السياسي، وكأن شيئا لم يتغير في العقد الماضي، مع أنه يقرّ بشكل واضح بالفشل، حيث قال: "وجدنا أن المفاوضات لا تؤدي إلى نتيجة، ولا يجوز أن نبقى واقفين مكاننا، وقررنا في 2011 الذهاب للأمم المتحدة للمطالبة بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة باسم منظمة التحرير الفلسطينية وليس باسم السلطة الوطنية الفلسطينية وذهبنا متحمسين لنحصل على العضوية وأُفشلنا ولم نتمكن، ومجلس الأمن لم يعطنا الحق من العضوية لكننا لم نيأس في 2012 بذلنا جهوداً خارقة وصممنا الحصول على أكبر قدر ممكن من التأييد خوفاً من الفشل ..."، ومع ذلك سيواصل طريق المفاوضات، وطريق استجداء الأمم المتحدة، والأطراف الدولية، لذا تجده يطلب من بريطانيا الاعتذار عن بلفور ويتنازل عن التعويضات التي تصاحب عادة الاعتذارات؟!

والملاحظة الرابعة أن الحضور الدولي في المؤتمر كان باهتًا إلى حد ما، فحين يذكر أن 60 وفدا من 28 دولة حضروا المؤتمر علامة على التأييد، ويقول: فكيف لو لم يكن هناك احتلال كم سيحضر إلى مؤتمركم؟"، فإن هذا يثير سؤالا عن حجم تأثير الدول التي حضرت المؤتمر؟! لم يحضر المؤتمر وفود من أوربا وأميركا، التي يلجأ إليهما عادة عباس لرعاية خطواته في المفاوضات مع العدو، بل أكثر من ذلك إن دولًا عربية مؤثرة لم تحضر للأسف؟!

والملاحظة الخامسة تقول: إن عباس يعرف جيدا أن من الشعب من يعتبر أوسلو خيانة لذا وجدته يقول: "يقولون اتفاق أوسلو خيانة دون أن يعلموا أنه اتفاق مبادئ؛ لتمهيد عودة القيادة إلى الأراضي الفلسطينية، وهي خطوة هامة في هذا الاتفاق بدليل أننا نعقد اجتماعنا على أرض فلسطين، وبهذا الاتفاق الذي وقعت عليه بنفسي عاد مئات الألوف إلى الوطن... وقد قدرهم بـ(٦٠٠) ألف فلسطيني. وهو أولًا رقم غير دقيق، وثانيًا هو لم يذكر في المقابل الثمن الباهظ الذي دفعه، وهو:( الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتنازل عن (٧٨٪) من أرض فلسطين، والتنازل عن حق المقاومة. نعم عادت القيادة عودة ذليلة، فهي تذل يوميًا على الحواجز وفي التنسيق الأمني، ولم يعد الشعب، والمسألة الوطنية هي مسألة شعب، قبل أن تكون مسألة قيادة. الكلام حول الخطاب البليغ يطول، ولكن ما لم يقله عباس هو أهم كثيرًا مما قاله و نكتفي بهذا القدر.