فلسطين أون لاين

المرأة في الفكر السياسي للشيخ أحمد ياسين

كلنا يعرف الصانع الروحي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الشيخ أحمد ياسين رحمه الله تعالى، الذي صنع الأجيال جيلاً تلو جيل، تراه لم يغب عنه أثر وأهمية دور المرأة الفاعل في القضية الفلسطينية. ولقد شهدت الحركة النسائية الإسلامية منذ بداية تأسيس الحركة، وحتى يومنا هذا تطوراً كبيراً أثبتت من خلاله المرأة الفلسطينية أنها لا تقل صموداً وأهمية عن دور الرجل في العمل الدعوي والسياسي. ولا شك أن ظهور الشيخ أحمد ياسين على رأس حركة حماس أبرز بصماته في ميادين العمل السياسي والدعوي في فلسطين، حتى أن عدداً من المؤرخين صنفوه كـ"أبرز قائد تاريخي للشعب الفلسطيني". 

وتمر علينا الذكرى الثامنة عشرة لاغتيال الشيخ أحمد ياسين، حينما أطلقت المروحيات الإسرائيلية ثلاثة صواريخ صوب كرسيه المتحرك، بعد خروجه من صلاة الفجر يوم 22 مارس/ آذار 2004. وفي ذكرى استشهاده، ستكون لنا فرصة لعرض بعضٍ من الفكرة والرؤية التي كان يتبناها في نظرته تجاه دور الحركة النسائية الإسلامية في العمل السياسي.

 

اهتمامه بالمرأة الفلسطينية:

لقد كان الشيخ أحمد ياسين مقتنعًا بأن المرأة هي المجتمــع، فهــي التــي تبنــي البيــت، تبنــي المهنــدس، والطبيــب، والأســتاذ، والمحاضــر. ولــذلك تحــتم أن يكــون لهــا كامــل الحقــوق، وأن تتمتــع بالحريــة والشــجاعة؛ طبعــا بمــا لا يتنــاقض مــع مســؤولياتها فــي بنــاء الجيــل والمحافظــة علــى البيــت والأسرة، وكل ما يأتي بعـد ذلـك، يكـون فـي الدرجـة الثانيـة، مـن: عمـل، وخـروج مـن البيـت، لكـن لابـد أن تكون متعلمة وتشارك في الحياة المدنية، فنحن نحتاج الطبيبـة والمدرّسـة، لـذلك لا توجـد تحفظـات علـى المـرأة ونشـاطها. وكان الشيخ الياسين يدعو إلى تعليم المرأة أحكام الشريعة الإسلامية والفقه المتعلـق بالنساء، وتلاوة القرآن الكريم، من خلال عقد الندوات النسائية في الكثير من مـساجد محافظـات غزة.

وأولى الشيخ أحمد ياسين أهمية كبيرة لدور المرأة، ووجد الشيخ أنه من الواجب عليه ألا يغيب عن ساحة المرأة، فقد أفرد يوماً خاصا للقاء الفتيات والنساء المسلمات، إذ كن يزرنه ويوجههن، وانتهى به الأمر إلى أن ينظم النشاط النسائي على مستوى جيد، وكان لهذا التنظيم دور رائد في نشر الفكر الإسلامي، خاصة عندما أنشئت الجامعة الإسلامية، إذ بدأ يوصل الفكر من خلال النشرات والمجلات الحائطية والندوات.

وقــد أتاح الشيخ أحمد ياسين المجال للمرأة في العمل الدعوي والاجتماعي، حيث شاركت في العمل في مؤسسـات الحركـة الخيريـة الاجتماعيـة، مثـل: الأقسـام النسـوية للمجمـع الإسـلامي الـذي أنشـئ فـي سـنة 1974م، وكـذلك فـي الجمعيـة الإسـلامية، التـي أُنشـئت فــي ســنة 1976م، والتــي كانــت تضــم قســماً للتأهيــل المهنــي للشــابات المســلمات.

واتماماً لهذا الدور قام الشيخ بزيارات منتظمة للمؤسسات النسائية في القطاع والضفة الغربية والأراضي المحتلة، وكان يوجه الفتيات المسلمات إلى الالتحاق بالمؤسسات النسائية، واستطاعت الشابات المسلمات الإسهام في كثير من هذه المؤسسات، وكان دائماً يقدّر الأخوات ويشاركهن أنشطتهن رغم مرضه، وكان لا يرفض لهن أي طلب، ويرى فيهن نماذج للخنساء وأسماء والمسلمات العظيمات.

نظرته للمرأة أنها شريكة للرجل:

اهتمام منقطع النظير أبداه الشيخ أحمد ياسين بانخراط المرأة في العمل الإسلامي، قبيل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس عام 1987م وبعد هذا التاريخ، ليؤهل قيادات مجتمعية نجحت في تحقيق إنجازات كبيرة في أثناء حياته وبعد استشهاده. كان ذلك نابعاً من إدراكه الأهمية الكبرى التي أولاها الإسلام لدور المرأة في المجتمع، وبخاصة في تربية الأجيال.

وبدأ العمل النسائي في حركة حماس متزامنًا مع عمل الرجال نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، حيث انطلق من بيوت الله ومن الجامعة الإسلامية، لتخوض المرأة بعد ذلك كافة المجالات الاجتماعية والتربوية حتى وصلت للمجالات الإعلامية والجهادية وأخيرًا السياسية والعسكرية.

وكان الشيخ ياسين المرجع لجميع مجالات العمل النسائي، وهو على رأس هيكلية الحركة، وقد كان فهم الشيخ الصحيح للإسلام الذي يَعُد المرأة شريكة للرجال في شتى مجالات الحياة هو سبب دعمه للمرأة بدرجة كبيرة. فالشيخ ياسين كان يُضرب به المثل في وعيه وفهمه لحقيقة دور المرأة في المجتمع منذ بدايات تأسيسه الحركة الإسلامية في قطاع غزة، فكان يعمل مع النساء جنبا إلى جنب مع الرجال. وهو بذلك كان يطبق التوجيه النبوي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إنما النساء شقائق الرجال).

ورغم توالي القيادات على الحركة النسائية، فإن جميعها تبنت نهج الشيخ ياسين في دعم الحركة النسائية حتى وصلت اليوم إلى عضوية المكتب السياسي لحركة حماس.

تأهيل القيادات النسوية:

وكان لا بد للعمل النسائي من قيادة، فكان الشيخ ياسين يحرص على انتقائها بعناية، ويلتقي بهن دوريًّا، ويحرص على أن يكون للمرأة كيان مستقل، وألّا تذوب شخصيتها في شخصية الرجل. ولتأهيل القيادات النسوية حرص الشيخ ياسين على تأسيس مجلس طالبات للجامعة الإسلامية، كان يلتقي به دوريًّا ويوجه عمله. وحتى النساء في الأراضي المحتلة وفي الضفة كان لهنّ نصيب من اهتمام الشيخ ياسين، فكان يرسل قيادات الحركة النسائية إلى هناك لتعقد نشاطات ومخيمات ولقاءات خاصة بهن. فالشيخ ياسين كان صاحب الفضل الأول في إعطاء المرأة دورها القيادي كأم ملتزمة تفهم دورها في الحياة وتشارك في تنشئة الأطفال تنشئة سليمة من خلال رياض الأطفال.

رغم أن مجتمعنا العربي والاسلامي ذكوري بامتياز، وما زال البعض لا يتقبل مشاركة المرأة سياسياً وإعلامياً بسهولة، وينظر لها بأنها غير قادرة أن تكون مراسلة جيدة أو سياسية بارعة، وكذلك لا يوجد اعتراف كامل بإمكاناتها وقدرتها في بعض الحركات الإسلامية، إلا أن الشيخ أحمد ياسين منذ اللحظة الأولى تبنّى الفكر الاسلامي في نظرته للمرأة كشريكة للرجل، وبناء على دعواته أتيحت الفرصة للمرأة لتأسيس الحركة النسائية، فزرع الجذور القوية للعمل النسائي، وأهّل القيادات النسائية التي تربّت على يديه، فقد كان صاحب التوجيه الأول الذي تستمد منه الهمة والنشاط، رغم أنه كان قعيدًا فإنه كان عالي الهمة، يمتلك حبًّا كبيرًا للإسلام وتعاليمه، فكان نعم الأب والمربي، ونعم الداعم الذي أنصف المرأة وحفظ لها حقوقها السياسية والمجتمعية، رحم الله شيخنا وجزاه الله عنا كل خير.