لا شيء يعكس عنجهية الاحتلال الإسرائيلي مثل البيان الذي أصدره يوم الجمعة، وعممه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت، ووزير خارجيته يئير لبيد، للتعبير عن رفض دولة الاحتلال ومعارضتها لإمكانية موافقة الولايات المتحدة على الشرط الإيراني للعودة للاتفاق النووي، والمتمثل برفع الحرس الثوري عن قائمة المنظمات الإرهابية.
لم يكتف البيان بتعداد أسباب رفضه لخطوة أمريكية محتملة بهذا الاتجاه، بما في ذلك تحميل الحرس الثوري الإيراني مسؤولية قتل جنود ومسؤولين أمريكيين، فضلا عن اتهامه بالسعي الدؤوب لتنفيذ عمليات إرهابية وقتل اليهود لمجرد أنهم يهود أو قتل مسيحيين للاختلاف معهم في الدين وأخيراً قتل المسلمين لمجرد أنهم يرفضون الخضوع لإيران.
فالبيان الإسرائيلي، عدّد في الواقع جرائم كثيرة ينسبها للحرس الثوري الإيراني، بدءاً من إيران وحتى لبنان مروراً طبعاً بالعراق وسوريا. وإن كنا لسنا بصدد تبرئة الحرس الثوري من كثير من ممارساته وموبقاته الإجرامية، خصوصاً في سوريا، إلا أن هذا التمسح بالإنسانية والأخلاقية التي يظهرها البيان الإسرائيلي لا يخدعنا.
فكثير مما يدعيه البيان على الحرس الثوري، يدخل في خانة جرائم لم يكن الاحتلال الإسرائيلي امتنع بدوره عن تنفيذ مثيلاتها على امتداد المنطقة العربية كلها تقريباً وليس فقط في الدول التي عددها البيان.
ويمكن الإشارة إلى جرائمه في كل من تونس غرباً وحتى العراق والإمارات (اغتيال محمد المبحوح، مثلاً لا حصراً) وإيران بل وماليزيا شرقاً. ومع ذلك يضع البيان دولة الاحتلال في موقع "الضمير" الأخلاقي للعالم كله وهو يقول إن "مكافحة الإرهاب هي مهمة العالم كله".
تعكس هذه الانتقائية في سرد الجرائم ما دام المتهم بها آخرون حقيقة التفكير العنصري الإسرائيلي ومنطقه الإجرامي الذي يرى في جرائمه هو وعناصره عمليات ضرورية وأخلاقية للدفاع عن النفس حتى عندما تكون بشاعتها وزيف الادعاءات بأسبابها ظاهرة للعيان.
ولعل أخطر ما جاء في طيّات البيان، القائم على المنطق المذكور أعلاه، زج الاحتلال بحركتي المقاومة حماس والجهاد الإسلامي في البيان، رغم أن الحركتين، سواء اختلفت معهما أم اتفقت، هما حركتا مقاومة تقارعان احتلالاً استيطانياً واستعمارياً مدججاً بالسلاح ويملك ترسانة نووية.
لكن رئيس حكومة الاحتلال ووزير خارجيته مع ذلك لا يغادران منطقهما العقائدي والعنصري الاحتلالي الذي يجرّد الشعوب من حق مقاومة الاحتلال فيرميان المقاومة بدائهما وينسلان.