بينما توجهت العين الإسرائيلية لميادين القتال في الحرب الروسية الأوكرانية، ترقب العين الأخرى الموقف الأمريكي المتذبذب من الحرب، فلا منح أوكرانيا كامل الدعم الذي تحتاجه، ولا كبح جماح روسيا عن ذهابها حتى النهاية، ما أشعل أضواء حمراء في (تل أبيب) حول حقيقة القوة الأمريكية، ومدى وجاهة الارتباط بها بصورة مطلقة.
مع أن الدعم الأمريكي لـ(إسرائيل) لا يقتصر على النواحي المادية، والسياسية، والاقتصادية، والاستخبارية، بل يتعداه للنواحي العسكرية، وعلى الرغم من أن الأخيرة تنتج 12% من السلاح العالمي، فإنها تستمر بتلقي مساعدات عسكرية ضخمة من الولايات المتحدة؛ ما يطرح أسئلة مهمة حول أسباب هذا الدعم، بين كونها تساهم في حماية المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط؛ وهي المنطقة الأهم في العالم من حيث مصادر الطاقة، أو أن واشنطن ترى في دعم تل أبيب حيلولة لقيام دول إقليمية قوية، تظهر نوعاً من الاستقلالية عنها.
ليس سراً حجم انخراط (إسرائيل) في دوائر صنع القرار العسكري الأمريكي، سواء عبر اللوبي اليهودي، والمحافظين الجدد، وتيار المسيحيين الصهاينة، سواء في عهد ترامب السابق أو بايدن الحالي، في ظل قناعتهم بأهمية تقديم الدعم لـ(إسرائيل)، بسبب دورها الوظيفي لحماية المصالح الأمريكية في ظلّ أزمة النفط، وازدياد أسعاره؛ لأن موقعها وسط العالم العربي الغني بالنفط، وقربها النسبي من طرق إمداداته يحتِّم على الولايات المتحدة تمويل ذلك "الحارس".
في الوقت ذاته، ينظر أصحاب القرار الأمريكيون لـ(إسرائيل) أنها قاعدة أمريكية متقدمة، ومخزن أسلحة لقواتها، وساحة لإجراء المناورات المشتركة، فضلا عن قيامها بتجريب الأسلحة الأمريكية ميدانياً واختبارها، ودراسة مدى تأثيرها الفعلي على أرض الواقع، من خلال عدواناتها المستمرة على الفلسطينيين.
وتشير القراءة التاريخية أن المساعدات الأمريكية وصلت الجيش الإسرائيلي منذ بداية إنشائه، وتقديم مساعدة مالية منذ 1949، بدأت بقروض اقتصادية صغيرة، وهِبَات من أجل أهداف مختلفة، ثم إعطاء القروض العسكرية بمليارات الدولارات، واستطاعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ربط أي عملية سلام مع الدول العربية بهِبات عسكرية أمريكية ضخمة.
ولعل إجراء مسح إحصائي سريع لحجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال أول خمسين سنة من إنشائها يكشف أنها بلغت 84 مليار دولار، ما دفع دوائر أمريكية لإثارة الجدل والنقاش حولها، على اعتبار أن دولة الاحتلال، وفقاً لجميع المعايير الدولية، غنية نسبياً، ومعدل إيرادها الخام يضعها في المكان الـ37 في العالم.
لهذا فإن دولة بهذه المواصفات، وفي ذات الوقت تحصل بشكل ثابت على مبلغ يزيد على متوسط المساعدة الخارجية للفرد في العالم بـ15 ضعفاً، ولا تعمل على مضاءلة تعلقها بها، ما يجعلها تُدمن هذه الرغبة بتلقي هذه المساعدات!