بالرغم من أن للحرب في أوكرانيا تداعيات سلبية على جلّ دول العالم، وحياة الشعوب اقتصاديا، فإن دولة الاحتلال ما فتئت تعمل على توظيف هذه الحرب لصالح (إسرائيل) ويهود العالم. أما كيف تعمل دولة الاحتلال، فالجواب له وجهان: ظاهر، وخفي. الخفي عمل أمني يصعب تتبعه إلا على ذوي الاختصاص، والظاهر يمكن تتبعه من التصريحات والمواقف.
ومن هذا الظاهر ذهاب (يوسي داغان) رئيس ما يسمى بمجلس مستوطنات شمال الضفة إلى الحدود الأوكرانية الرومانية لمخاطبة المهاجرين اليهود قائلا: "نحن في انتظاركم في مستوطنات يهود والسامرة". وذهاب بينيت لموسكو وغيرها من العواصم بزعم الوساطة.
هذا التصرف المقيت لداغان ليس عملا فرديا لوصف فاعله بالتطرف، بل هو عمل جماعي توافق عليه سلطات الاحتلال وقادة الأحزاب، والمستوطنون. وهو يلتقي مع جوهر زيارة بينيت لروسيا، وهنا يجدر بنا كفلسطينيين مواجهة هذا التوظيف لا بشجب داغان وتصريحاته فحسب، بل بمواجهة إستراتيجية الاستيطان نفسها، وجعلها ذات كلفة عالية لا يقبل بها المهاجر الأوكراني، ولا المهاجر الروسي. إن رفع كلفة الاستيطان، وتجفيف إغراءاته، يمكن أن يساعد في منع قدوم مهاجرين يهود جدد للاستيطان في الضفة الغربية.
ما الذي يجدر بالسلطة ومكونات الشعب الفلسطيني مناقشته في ضوء تداعيات الحرب في أوكرانيا على فلسطين؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن جمعها في نقطتين:
الأولى تكمن في جمع الكل الوطني الفلسطيني من كل الأطياف السياسية والحزبية لدراسة آليات عمل يمكن أن تساهم في منع المهاجرين اليهود من الهجرة (لإسرائيل) بوصفها دولة احتلال، وبوصف المنطقة لا سيما في الضفة بأنها منطقة حرب وصراع، وهي لن تعرف الاستقرار.
والثانية القيام بحملة إعلامية مكثفة للاستفادة من الاحتلال الروسي لأوكرانيا وتدميره البنى التحتية في تجريم الاحتلال الإسرائيلي الذي يقوم بأعمال مشابهة وأكثر فظاعة ضد الفلسطينيين منذ عقود، ومن ثمة كشف عنصرية الغرب الذي يكيل بمكيالين، في التعامل مع القضايا المتماثلة والمتشابهة.
فالحرب الروسية في أوكرانيا كالحرب الإسرائيلية في فلسطين. القتل هو القتل، والتدمير هو التدمير، والاحتلال هو الاحتلال، والرعب هو الرعب، وهجرة المواطنين من ديارهم هي هي، هنا وهناك، فلماذا ينتقد الغرب روسيا ولتصرفاتها من زاوية إستراتيجية ما يبرره، ولا ينتقد الاحتلال الإسرائيلي وليس للاحتلال ما يبرره؟
هذه القضية الإعلامية توفرت لها الآن فرصة جيدة للنجاح، بكشف الغطاء، وفضح النفاق، وهي لا تحتاج إلا لأمرين: الأول القرار السياسي. والثاني: التغطية المالية. ويجدر ألّا يُضيّع الفلسطيني الفرصة لغياب أحد هذين المطلبين، فالفرص لا تتكرر، ومن اقتنصها في وقتها أصاب ما يريد، وعاد بربح وفير. هل ثمة أذن مصغية؟