فلسطين أون لاين

أنقرة و(تل أبيب) بين الموضوعية والمبالغة

"لسنا قلقين من تقارب أنقرة و(تل أبيب)، بل العكس نحن راضون جدا بهذا التقارب. هذا التقارب سيعطي تركيا المزيد من الأوراق الرابحة التي يمكن استخدامها على طاولة المفاوضات، وإذا عرضت تركيا علينا التفاوض مع إسرائيل فسوف نقبل!" هذه كانت تصريحات رياض المالكي وزير خارجية السلطة الفلسطينية لقناة CNN TURK.

هذا ومن المعلوم أن فصائل اليسار الفلسطينية كالجبهة الشعبية هاجمت أردوغان لاستقباله هرتسوغ رئيس دولة الاحتلال، وقالت إن سياسة تركيا تقوم على المراوغة والنفاق في الشأن الفلسطيني! 

وبين الترحيب والانتقاد الحاد، وقفت فصائل العمل الإسلامي موقفا محايدا، فلم تعقب على الزيارة، ولم تبدِ انزعاجا منها، ولم ترحب بها، ونظرت للمصالح التركية نظرة تقدير وتفهم، وكان مستشارو أدروغان قد نقلوا لحماس تطمينات بددت المخاوف من تغير السياسة التركية، وهي تخوفات زرعتها وسائل الإعلام الصهيونية في عملية استباقية حول شروط التقارب مع أردوغان، ومنها إخراج حماس من تركيا!

موقف السلطة الفلسطينية نظر للزيارة من منظور البحث عن وسيط يجدد لها المفاوضات مع (إسرائيل)، ومن ثم رأت في التقارب المحتمل بين تركيا (وإسرائيل) هذا الوسيط الممكن! ولكن يبدو أن السلطة بالغت فيما تريد، لأن (إسرائيل) لا تقبل بغير واشنطن وسيطا.

 إن زيارة هرتسوغ من الوجهة التركية لا تحمل توجهات سياسية، بل هي دعوة لتعاون اقتصادي، ولا سيما في مجال الغاز والطاقة، وكف لليد اليهودية التي تلعب بالليرة التركية، أو التي تذهب لتحالف مع اليونان وقبرص ضد المصالح التركية، وهي إجراء وقائي تركي يمنع (إسرائيل) من المغامرة بتزويد حزب العمل الكردي بالسلاح.

(وإسرائيل) لا تمانع التعاون الاقتصادي، بل تتطلع إليه، وتتطلع لسحب تركيا تدريجيا من الساحة العربية، ومن الساحة الفلسطينية، لا من خلال السياسة، بل من خلال الاقتصاد. إن مصالح اقتصادية إسرائيلية كبيرة مع تركيا تعني تركيا أقل حماسا للقضية الفلسطينية كما تراه مراكز الأبحاث الإسرائيلية.

تركيا دولة تعترف (بإسرائيل) منذ قيام الأخيرة على الأرض الفلسطينية، وتاريخ العلاقات بينهما في عهد حكومات الجيش مسكونة بالانحياز لها على حساب الفلسطيني والعربي، ويرجع لأردوغان الفضل في تعديل درجة هذا الانحراف، وبالتالي لا يمكن الحديث هنا في موضوع التطبيع وكأنه شيء حدث مؤخرا في عهد أردوغان حتى نتهمه بالنفاق السياسي، كما فعلت بعض الفصائل بزاوية انحراف واسعة. 

يجدر بالفلسطيني وهو يبحث عن دول تدعم حقه في تقرير المصير أن يحتكم للواقعية السياسية لا للأماني والأوهام، وتركيا من أهم الدول التي تدعم حق الفلسطيني في تقرير المصير وقيام الدولة، حتى وإن عادت للتقارب مع (تل أبيب) اقتصاديا. ومن المؤكد أن تركيا لن تعود للقديم كحليف إستراتيجي لدولة الاحتلال. وهذا الموقف مقبول فلسطينيا، ونطمع بما هو أفضل.