وسط ظروف معيشية بالغة السوء نشأت المعلمة والناشطة الاجتماعية فاطمة قويدر (44 عامًا) من قرية "الزرنوق" غير المعترف بها إسرائيليًّا في النقب المحتل، لكنها كعدد كبير من نساء النقب اللاتي صممن على إكمال تعليمهن الجامعي رغم الظروف الصعبة أملًا منهن في تحسين ظروف حياتهن وتحصيل حقوقهن.
وحتى الآن لا تعترف دولة الاحتلال بالعشرات من القرى الفلسطينية بل وتحاول تهجيرهم بمختلف الطرق والاستيلاء على أراضيهم، "يمارسون بحقنا كل الانتهاكات فنحن هنا في القرن الحادي والعشرين بلا ماء ولا كهرباء أو طرق معبدة، ولا يقتصر الأمر على ذلك فإننا محرومون من البناء والتوسع، بجانب أن آلة الهدم الإسرائيلية تعمل طوال الوقت".
تتابع فاطمة: "حتى خدمات التعليم هنا ليست بالمستوى المطلوب، فلم نحصل على مدرسة ثانوية سوى من عاميْن فقط، وحتى الوصول لرياض الأطفال والمدارس أمر بالغ الصعوبة ما يؤثر نفسيًّا فينا وفي أطفالنا كما أن العناية الطبية هنا شبه مفقودة".
وعلى الرغم من أن النساء في القرية وصلن لمراتب علمية كبيرة وكثيرٌ منهن عاملات في مدينة بئر السبع المجاورة، فإنهن يسكنَّ في بيوت ضيقة مسقوفة بالحديد، بسبب منع الاحتلال للبناء، فتدلف المياه إلى بيوتهن في الشتاء ويعانين قيظ الحر في الصيف.
شقا العمر
تمضي فاطمة بالقول: "كلفة توفير الطاقة الكهربائية هنا باهظة، فجهاز الطاقة الشمسية يكلّف الأسرة 40 ألف شيقل، وفي الشتاء نقضي الكثير من الوقت دون كهرباء لغياب الشمس، فنضطر لإشعال الحطب للتدفئة".
وتشعر بالحسرة لعجزها عن البناء لابنيْها الاثنين اللذيْن وصلا لسن الزواج دون أن يتمكنا من تأمين السكن ما يجعلها ويجعلهم يقفون عاجزين أمام تلك الحالة.
تقول: "أخشى أن أضع شقا العمر في بُنيانٍ وأراه أثرًا بعد عين في لحظة كما يحدث هنا كلّ يوم".
وتبين فاطمة أنها رغم كل ما تعيشه من حياة صعبة، فإنها لن تترك أرض آبائها وأجدادها، "فلا راحة نفسية بعيدًا عن أرضنا، رفضنا كلّ عروض التهجير وسنبقى نرفضها، ونُعزّز التمسك بالأرض في نفوس أبنائنا، موقنين أننا يومًا ما سننال كل حقوقنا، معتبرةً أنه لا يوجد "يوم امرأة عالمي" بالنسبة للمرأة الفلسطينية في النقب التي تُهجر من أرضها في كل لحظة.
فروقات شاسعة
المأساة ذاتها تعيشها تهاني أبو قويدر (32 عامًا) من قرية الصواوين المجاورة لـ"الزرنوق" غير المعترف بها أيضًا، فالشعور بالنقمة يراودها في أثناء ذهابها وإيابها من عملها في "بئر السبع" وهي ترى الفرق الشاسع في مستوى الحياة بين القرية التي تعيش فيها، و"الكيبوتسات" التي يسكنها المستوطنون.
وتضيف: "بينما أُحرم من مقومات الحياة في أرضي، يتمتع المستوطنون في كيبوتس نباتيم المجاور لنا بحياة بالغة الرفاهية، في حين لا أجد أنا في قريتي مواصلات عامة إذا ما أردتُ الخروج لأي زيارة أو مشوار خارجها".
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن الحاجيات الغذائية من لحوم وخضراوات شبه مفقودة بالقرية، لعدم وجود الكهرباء لدى محلات البقالة، وحتى الحضانات للأطفال للنساء العاملات غير متوفرة.
تقول تهاني: "فرقٌ بين السماء والأرض هو الفرق بين حياتنا وحياة المستوطنين اليهود في النقب، يعيشون مقابلنا في أبنية راقية يتمتعون بالكهرباء والماء ليلًا ونهارًا، على حين نعيش في ظروف بدائية، يذهب أطفالنا للمدارس والحضانات لمسافات بعيدة جدًّا".
طوق نجاة
وتشير إلى أنّ أهل النقب في "القرى غير المُعترف بها" يرون في التعليم "طوق نجاة" لهم في ظلّ الظروف الصعبة التي يحيونها، "فرغم أنني عشتُ طفولة صعبة أصعب بكثير ممّا نعيشه اليوم إذ لم يكن هناك كهرباء البتّة، فإنني حاصلة الآن على درجة الماجستير وحريصة على تعليم أبنائي ليصلوا لمراتب عليا".
وتُبيّن أنّ الظروف الصعبة جعلتها تتمتع بشخصية قوية مكّنتها من تحمُّل الصعوبات، لكن مع ذلك فالمعاناة كبيرة، "تخيّلي أنني كأُمٍّ لأربعة أطفال وفي ظلّ عدم توفر الكهرباء بشكلٍ دائمٍ خاصّة في الشتاء فإنني لا أتمكن من إنجاز أعمالي المنزلية بالكامل".
وتقول: "أنا محرومة من الاستمتاع بإجازتي الأسبوعية الجمعة والسبت، إذ أقوم خلالهما بتعويض ما لم أقم به من أعمالٍ منزلية طوال الأسبوع، كما أنني لا أستطيع شراء أغلب الأجهزة الحديثة كالفُرن الكهربائي ونشّافة الغسل لعدم توفر الكهرباء".
وتنقلب الحياة لحالة طوارئ في عزّ البرد والحر، إذ نخرج وأطفالنا للمبيت في ساحة المنزل صيفًا في ظلّ الارتفاع الكبير في الحرارة، "أبسط حقوقنا أن نتمتّع بالكهرباء، لكن ندرك أنّ ما يريدونه هو تهجيرنا، لذا نقابل إجراءاتهم بالصمود".
وتزيد بالقول: "على أيّ أساسٍ يسمحون للمستوطنين بأنْ يقوموا برعي الأغنام وتربية الدواجن في مساحات شاسعة ويتوفر لهم كلّ الخدمات، على حين يريدوننا أن نتوقف عن رعيِ مواشينا ويضعوننا في مساحة ضيّقة في بيوتٍ فوق بعضنا بعضًا".
وكل المعاناة تهون دون ترك أرض الآباء والأجداد، شعارٌ ترفعه نساء النقب المحتل، يجعلهن يصبرن على كل الظروف المأساوية التي يعشنها في ظل محاولات الاحتلال الإسرائيلي المتكررة لتهجير فلسطينيي النقب من أراضيهم، ما يؤكد غياب العدالة في العالم الذي يحتفي بـ"يوم المرأة العالمي" على حين ما تزال تعيش نساءٌ النقب حياة بائسة.