الحرب في أوكرانيا مستمرة، والمفاوضات الأوكرانية الروسية مستمرة. يقولون هذا تناقض يجدر أن يتوقف، ويقول غيرهم بل يجب أن يستمر لأن المفاوضات أداة للخروج من التناقض، أي الخروج من الحرب والمعارك، ولو بوقف إطلاق نار مؤقت.
في هذه المعادلة وجه آخر يجدر الالتفات إليه، وأعني به أن الحرب تستمر وتتوسع؛ الأمر الذي يعني أن المفاوضات تتسكع، حيث لم تسفر عن تفاهمات ذات مغزى. وهذا يعني أن السياسة بين الدول الكبرى تقوم أولا على مبدأ القوة، ولا تقوم على مبدأ الدبلوماسية والمفاوضات.
المفاوضات في مفهوم السياسة التي تديرها الدول الكبرى هي تثبيت ما تنجزه القوة العسكرية على الأرض بإمضاء المفاوضين والقادة.
لم تسفر المفاوضات منذ الحرب العالمية الأولى عن إعادة الحقوق لأصحابها، بل أسفرت عن تثبيت ما حازه المنتصر بيده بإمضاء الطرف المهزوم. هذا المفهوم للمفاوضات هو ما يجري الآن في المفاوضات بين أوكرانيا وروسيا.
متى يمكن أن تنجح المفاوضات في وقف الحرب الشرسة في أوكرانيا، والتي تحمل تهديدات ذات مغزى بحرب عالمية ثالثة؟ الجواب الصادق يكمن في السياسة بمفهومها الذي قدمته آنفا على مستوى الدول الكبرى.
الحرب تتوقف عندما تحقق القوات العسكرية الروسية أهدافها على الأرض، أو عندما يستجيب الغرب وأوكرانيا للمطالب الروسية. دون واحد من هذين الأمرين لا تقف الحرب، حتى وإن طالت مدة المفاوضات.
خذ مثلا رئيس السلطة الفلسطينية، يفاوض الإسرائيليين منذ عشرين سنة، دون نتائج وطنية تذكر، لأن سياسة (إسرائيل) كسياسة الغرب وروسيا التي شرحتها آنفا، إذ يجب التوقيع الفلسطيني على ما أنجزته حرب (إسرائيل) على الأرض.
العقوبات الأمريكية الغربية لا تهزم روسيا في الميدان في أوكرانيا، ولكنها ربما تزيد تمسك روسيا بمفهوم النصر، وما تحققه القوات العسكرية، لذا فإن المفاوضات التي تجري أشبه بمناورة مخادعة من كلا الطرفين، وفيها ما يؤشر على طول مدة الحرب، وأنها لم تعد حربا خاطفة، بدليل إغراق أوكرانيا بالسلاح الغربي، وبدليل تكثيف روسيا للسلاح المستخدم في المعارك في أوكرانيا. السلاح المستخدم أوشك أن يكون سببا في كارثة نووية عالمية تستغرق أوربا وأجزاء من الشرق الأوسط. ولأن السلاح أطرش مهما كانت دقته وتقنيته فإن خطر النووي قائم، وعند وقوع الخطأ لا مجال للاعتذار، ولا فائدة منه.