- سالم: عشنا لحظات صعبة وحرب نفسية واسترحنا من معركة طويلة
- عبيدات: قرار التجميد جزء من ردع المقاومة للاحتلال وأحد تداعيات "سيف القدس"
"كنا عايشين على أعصابنا، بحرب نفسية".. هكذا مرت آخر اللحظات على إبراهيم سالم وأمه وأسرته بحي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة مع اقتراب المهلة التي منحتهم إياها محكمة الاحتلال بإخلاء بيتهم في الأول من مارس/ آذار الجاري، قبل أن تقوم المحكمة بتجميد قرار الإخلاء بحق العائلة وأربع عائلات أخرى لـ "يتنفس الصعداء" ويغلقون عيون مخاوفهم ويناموا مطمئنين في منازلهم لفترة أطول.
ما عاشه إبراهيم ووالدته المسنة فاطمة وأخوته، خلال الشهر الماضي كان أشبه بمعركة يومية مع قطعان المستوطنين الذين لم يتوقفوا عن محاولات اقتحام البيت، أبرزها في 14 فبراير/ شباط حينما حاصر المنزل نحو ألف متطرف بحماية شرطة وجيش الاحتلال ووحداته الخاصة، تعالت حينها تهديداتهم للمسنة "إذا بتطلعيش من البيت راح نحرقك؛ أنت وأولادك"، تهديداتٌ ألقتها وراء ظهرها.
مراسم وداع
آخر اللحظات التي عاشتها العائلة، يعيد إبراهيم سالم وصفها لـ "فلسطين أون لاين" قائلاً: "خضنا معركة نفسية، كانت الأيامُ الأخيرة صعبةً وحاسمةً؛ كنت أتساءل وأنا أنظر لكل جزء بالبيت إن كنت سأغادره أم لا!؟، وكأني أودعه خشية أن نلاقي نفس مصير العائلات التي هدم الاحتلال بيتها".
في غمرة مراسم الوداع التي عاشها المواطن المقدسي واقترب موعد الإخلاء تجدد تهديد المقاومة بغزة -تحدث عنها الإعلام العبري بإطلاقها أكثر من 20 صاروخًا تجريبيًا نحو البحر-، تضاف لتهديداتها الشهر الماضي حينما وصفت ما يجري بـ "الشيخ جرّاح" بأنه "لعبٌ بالنار" تذكّرهم بـ "سيف القدس".
تهديدات انعكست على تصرفات الاحتلال بحق الأهالي، ولمسها سالم على أرض الواقع "الحقيقة أننا لمسنا في تصرفات الاحتلال وقراره بالإخلاء وكأنه اختصر الطريق وتجنب المواجهة مع أهالي القدس، والشعب الفلسطيني الذي وقفنا معنا، ومقاومة غزة التي ساندتنا وتحلوا بواجبهم الوطني تجاه قضيتنا فلهم منا كل التحية".
وجمدت محكمة الاحتلال العليا عمليات إخلاء أربع عائلات فلسطينية من الحي، وهي: الكرد، سكافي، القاسم، والجاعوني، ويشمل القرار عائلة سالم، الذي يمثل بالنسبة لإبراهيم انتصارًا يمنحه "استراحة" من معركة شرسة خاضتها العائلة على مدار شهر "لم ننم الليل، وطوال أربعة وعشرين ساعةً كنا نتناوب على حراسة المنزل؛ ويتضامن معنا أهالي القدس، لم ننم إلا فترات قصيرة خوفًا من غدر أو اعتداء من قبل المستوطنين علينا يحاولون كسر إرادة الصمود لكننا تحلينا بالصبر".
يخطط المستوطنون لحشد نحو ألف مستوطن للاحتجاج على قرار الإخلاء أمام بيت عائلة سالم، احتجاجات يضعها إبراهيم وراء ظهره قائلاً بنشوة المنتصر "نحن مستعدون للمواجهة والتصدي لهم إن فكروا بالاعتداء علينا، بعد تجميد قرار الإخلاء"، مشيرًا، إلى محاولة المستوطنين دهسه أثناء عبوره الطريق لصلاة الجمعة.
ومنذ 13 أبريل/نيسان الماضي تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من جراء اعتداءات وحشية ارتكبتها شرطة الاحتلال ومستوطنوها في مدينة القدس المحتلة، بخاصة في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، في محاولة لإخلاء 12 منزلًا فلسطينيًا وتسليمها لمستوطنين، وكانت شرارة لاندلاع معركة "سيف القدس" في مايو/ آيار الماضي بين المقاومة والاحتلال واستمرت لأحد عشر يومًا.
حاول الاحتلال تسوية الأمر والالتفاف على نتائج المعركة، لكن عائلات الحي رفضت في 2 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، التوقيع على صفقة مع الاحتلال تقضي "بإعطاء ملكيتهم للمستوطنين مقابل البقاء في منازلهم خمسة عشر عامًا" بعدها تكرّرت اقتحامات المستوطنين الاستفزازية للشيخ جرّاح، قادها كلٌّ من عضو الكنيست المتطرّف إيتمار بن غفير وأرييه كينج نائب رئيس بلدية الاحتلال."
قرار قضائي
عبر الهاتف، امتزجت عبارات الفرح بصوت الحاج عبد الفتاح سكافي (72 عامًا) مطلقًا تنهيدة عميقة "الآن ارتحنا ما فش عندهم طريقة يطلعونا فيها لأنه صدر قرار محكمة".
يقول سكافي لـ "فلسطين أون لاين": القرار ليس تجميد بل إلغاء إخلاء العائلات الأربع في محكمة صلح الاحتلال ومحكمة الاحتلال المركزية فيما حولت محكمة الاحتلال العليا الملف لمحكمة الاختصاص كي نثبت الملكية هناك وهذا ما يحتاج لمساعدة الأردن وتركيا لنا بإمدادنا بأوراق الملكية، أو يحاول المستوطنون كسب المعركة عبر التزوير وقلب الحقائق.
"ما حدث جاء نتيجة عدة عوامل بصمود الأهالي ومساندة مقاومة غزة وتعاطف الرأي العام الدولي" هذه عوامل مجتمعة أربكت محاكم الاحتلال ووضعتهم في زاوية لا يستطيعون الخروج منها إلا بخيارٍ واحد فقط وهو إلغاء القرار.
لم يختلف حال عائلة سكافي عن عائلة سالم، فترك الحاج "أبو علاء" التفكير بمصير أولاده وأحفاده البالغ عددهم أربعة عشر فردًا، ولم يفكر باستئجار بيت لهم مع اقتراب موعد الإخلاء ووضع خيار "المواجهة" أمامه موقنًا أنه سيبقى في منزله، ليتنفس الصعداء بعد فترة طويلة من معركة يعرض جزءًا منها "تعرضنا للضرب والخطف، ورشوا الغاز على زوجتي أثناء ذهابها للعيادة وكانت أيامًا صعبة للغاية وشديدة".
تداعيات سيف القدس
قرار تجميد إخلاء منازل العائلات الأربع يعتبره الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات جزءًا من ردع المقاومة للاحتلال وأحد تداعيات ونتائج معركة "سيف القدس" وانتصارًا لصمود أهالي القدس وثمرةً لحالة التضامن والإسناد حولهم وهو ما يفتح المجال لعدم ترحيلهم.
وقال عبيدات لـ "فلسطين أون لاين"، "لولا حالة التضامن الشعبي الكبير من سكان القدس والداخل المحتل، ومقاومة غزة لما كان هناك تجميدًا"، معتقدًا، أن الاحتلال خشي أن تتصاعد الأمور لو حدث الإخلاء.
وأشار إلى أن الاحتلال كان يخطط للإسراع في حسم ملف "الشيخ جراح" وتهجير 28 عائلة تعيش في الجزء الشرقي من الحي وذلك لتشكيل جدار أمني واستيطاني يعزل المسجد الأقصى عن باقي المناطق العربية التي لا زالت متصلة به بسبب وجود حي الشيخ جراح.
قام الاحتلال بمراجعة حساباته ومخططاته التي فشل حتى اللحظة في تنفيذها بسبب تلاحم المقدسيين ومقاومته، وباتت الجبهة الداخلية تدرك أنها ليست محصنة وتستشعر بوجود خطر وجود أمام وجود جبهات مقاومة في غزة وشمال فلسطين المحتلة، في وقتٍ يتزعزع الاستقرار السياسي الإسرائيلي بخوف الائتلاف الحكومي من نجاح رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو من اسقاط الحكومة الحالية من خلال دفعه للمستوطنين بالضغط والتظاهر للمطالبة بإخلاء الحي. وفق عبيدات

