جون كاستكس رئيس وزراء فرنسا الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن يصب الزيت على نار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بتصريحه الوقح بأن القدس عاصمة الشعب اليهودي! وفي هذا التصريح تشجيع للاحتلال، واعتراف ضمني بضم (إسرائيل) للقدس واعتبارها كلها عاصمة الدولة.
تصريح كاستكس يخالف المعتاد في السياسة الفرنسية المعلنة، ولكنه وإن كان مخالفًا فيجدر بنا ألَّا نعدُّه تصريحًا شخصيًّا، وأن فرنسا على موقفها القديم، الذي هو موقف الاتحاد الأوربي الذي يعد القدس محتلة كالضفة الغربية. الأمر ليس موقفًا شخصيًّا، بدليل أن الرئاسة الفرنسية لم تعترض عليه، ولم تنفِه، ولم تقل إنه موقف شخصي. وأنا ومن قراءتي ومتابعاتي أقول إن كاستكس عبر عن الموقف الفرنسي الدفين بصورة حرفية وبلا مواربة، وأعاد للأذهان تغريدات ترامب وتصريحاته!
القراءة الرسمية للخارجية الفلسطينية فيما أحسب قراءة هزيلة وتفتقر للقوة التي تحتاج إليها القدس، إذ بعد أيام من التصريح الفرنسي الوقح والقاسي، استدعت الخارجية قنصل فرنسا للاستيضاح، وقبلت منه فيما يبدو زعمه أن فرنسا تؤيد حل الدولتين! الموظف الذي تم استدعاؤه يعمل تحت إمرة رئيس الوزراء، ولا يمكنه مخالفة رئيس الوزراء، وإذا خالفه فهو يقدم نوعًا من المناورة، التي تخدع القيادات الساذجة، والتي لا تؤمن بما تحتاج إليه القدس من قوة قوية جدًّا في الموقف.
القدس تضيع يوميًّا، والغرب يتراجع في مواقفه المعلنة يوميًّا، وبين فترة وأخرى يخرج علينا تصريح من هنا وهناك يكشف عن الموقف الأوربي الحقيقي، وهو موقف لا يختلف عن تصريح رئيس الوزراء الفرنسي. الدبلوماسية التي تحتاج إليها قضية القدس ليست دبلوماسية الطبطبة والمسكنات التي تمارسها الخارجية الفلسطينية. القدس تحتاج لدبلوماسية من نوع آخر، وإن استمرار استجداء المواقف من الدول الغربية لا يتناسب مع قضية القدس.
لا ننسى نحن الفلسطينيين أن بريطانيا كانت الدولة التي أسست (إسرائيل)، ولا ننسى أن فرنسا كانت الدولة التي سلحت (إسرائيل) في حرب ١٩٦٧م، وبسلاحها هزمت العرب، ولا ننسى مواقف الدول الغربية في مجلس الأمن، وهي مواقف تحمي (إسرائيل) من الإدانة. فرنسا دولة منحازة، وبريطانيا كذلك، وجل دول الغرب ينحازون لدولة الاحتلال، وكلهم لا يعملون شيئًا لحل الدولتين، ولا لإنهاء الاحتلال، ولو عزموا على إنهائه لانتهى، ولكن هم يناورن، ويراوغون، لأنهم منافقون معاصرون.