الأزمة الأوكرانية، والغزو الروسي لأوكرانيا، يهيمن على السياسة الدولية، ويحتل الصدارة في نشرات الأخبار، بل ومعظم النشرات الإخبارية، وهذا يدل على أن ما يجري على الأرض هو حدث دولي كبير، وليس حدثا جغرافيا محدودا، في مساحة محدودة.
العالم يكاد ينقسم بسبب ما يحدث في أوكرانيا إلى قسمين فاعلين، وثالث خامل ينتظر الدائرة. القسم الفاعل الأول هو من خلق الحدث وهو الغزو، وتقود هذا الفريق روسيا، وتؤيدها دول أخرى، وتتفهم حاجاتها دول كبيرة كالصين وإيران. والقسم الثاني وهو القسم الأوسع من دول العالم بقيادة أمريكا والناتو، وفيه دولة الاحتلال، وأعضاء هذا القسم يعملون لمعاقبة روسيا اقتصاديا وماليا، بعد أن فشلوا في منع الحرب في أوكرانيا.
إنه لما كانت هذه الحرب كبيرة وخارج الإطار الجغرافي للدولة الأوكرانية، فإنه من المنتظر أن تكون حربا طويلة وممتدة في الإجراءات والتداعيات زمنيا وأمنيا وماليا واقتصاديا، على اعتبار أن أمريكا لن ترسل قوات لأوكرانيا، لأنها ليست من دول حلف الناتو. بينما تهدد أمريكا بإرسال قوات مقاتلة إذا امتدت الحرب إلى إحدى دول الناتو. ومن المعلوم أن الحرب الاقتصادية المالية تمتد لسنوات طويلة، ولا تقف عند وقف إطلاق النار.
هذه الحرب الموصوفة في المقال (بالطول والامتداد) تحتاج من ذوي الاختصاص في البلاد العربية وفي بلادنا فلسطين إلى مقاربة موضوعية لدراسة تأثيراتها على البلاد العربية، وعلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن دون هذه المقاربة العلمية والموضوعية ستفقد الدول العربية الكثير من مصالحها، لا سيما إذا كانت ردود أفعالها شخصية وغير مدروسة.
وإذا كانت الدول العربية بحاجة لهذه المقاربة الموضوعية، فإن الفصائل الفلسطينية المقاومة للاحتلال في حاجة لمثل هذه المقاربة أيضا، هذا ويحظر على الدارسين النظر للحرب في أوكرانيا على أنها محدودة ببيئة جغرافية بعيدة عنا، بل هي حرب ممتدة في المكان والزمان على حد سواء.
إن أي مقاربة فلسطينية وعربية يجدر بها أن تدرس الموقف الإسرائيلي من هذه الحرب، والتعرف على أسبابه ومبرراته، لأن موقف دولة الاحتلال ليس بمفصول عن موقفها من الصراع مع الفلسطينيين والعرب. إنه يمكن النظر في آليات توظيف الحرب في أوكرانيا لتحقيق مكاسب للمقاومة في فلسطين، وللعرب في قضايا متعددة.