لعب على الحبال. رجال السيرك يجيدون المشي واللعب على الحبال المشدودة، ويحظون بتقدير رياضي من جمهور المشاهدين. سياسة دولة الاحتلال الخارجية في مقاربة الأزمة الأوكرانية هي لعب على الحبال المشدودة بين الأقطاب الكبيرة، كرجال السيرك تماما، ولكن دون أن تحظى باحترام من جميع الأطراف، إذ لا بد من خسارة طرف من الطرفين المتناقضين والمتصادمين.
دولة الاحتلال أعلنت موقفها من اعتراف روسيا بالجمهوريات التي انفصلت عن أوكرانيا من خلال دعوة عامة لاحترام السيادة الأوكرانية، دون انتقاد للموقف الروسي، ودون انخراط في العقوبات الأميركية الغربية ضد روسيا.
هذا الموقف تمّ بعد إطْلاع الخارجية الأميركية على مضمونه. لماذا لم تنخرط دولة إسرائيل في التحالف الأميركي الغربي ضد روسيا بشكل مباشر ومعلن، مع أنها تعد الدولة الحليفة لأميركا في منطقة الشرق الأوسط؟! الإجابة تكمن في الحاجة الإسرائيلية لروسيا في الملف السوري والملف الإيراني. إن الموقف الإسرائيلي موقف انتهازي يقوم بالأساس على المصالح الذاتية للدولة. أي أنها لا تغامر بمصالحها من أجل الغرب، أو من أجل أوكرانيا.
ربما تفهمت أميركا الموقف الإسرائيلي، ولكن بالتأكيد روسيا ليست سعيدة بهذا الموقف، لذا أتوقع أن تستفيد إيران وسوريا من غضب بوتين من (إسرائيل)، وربما تفقد دولة الاحتلال بعض مكتسباتها في الساحة السورية، وقد تتجه روسيا لدعم غير معلن للموقف الإيراني، ولا سيما إذا اشتدت وطأة العقوبات واسعة النطاق على روسيا في الأشهر القادمة.
دولة الاحتلال تسير على حبل سيرك مشدود للوصول للغاية التي تريدها، ولكن حالة عدم التوازن قد لا تعطيها الفرصة الجيدة للوصول للغاية، إذ من المستحيل تقريبا الجمع بين المتناقضات، أي بين روسيا وأميركا في آن واحد. ومع ذلك يمكن القول إن لدولة الاحتلال سياسة خارجية تنطلق من مصالحها الذاتية أولا، ثم تكون التوازنات الدولية بعد ذلك، وفي هذا درس للأنظمة العربية مجتمعة ومتفرقة.