مثيرٌ للسُخرية ذاك التصريح السياسي الذي أعلنه رئيس وزراء حكومة رام الله محمد اشتية يوم أمس حول انطلاق الحوار الفلسطيني بين الفصائل الفلسطينية في الجزائر الأسبوع المقبل بدعوة من الرئيس الجزائري عبد الحميد تبّون بهدف إنهاء الانقسام الفلسطيني وإتمام الوحدة الفلسطينية الداخلية، وذلك نظرًا للخطوات الأحادية التي قامت بها السلطة الفلسطينية وحركة فتح خلال الآونة الأخيرة بشكل منفرد، ودون توافق فلسطيني، والتي يُفْهَم منها عدم رغبة قيادة السلطة الفلسطينية في الضفة بإعادة لم الشمل الفلسطيني على قاعدة التوافق والإجماع الوطني.
أن تضرب حركة فتح بعرض الحائط الرفض الجماهيري والفصائلي الواسع لقرار انعقاد اجتماع المجلس المركزي في رام الله، وتُصر على انعقاده واتخاذ قرارات استراتيجية تؤثر في مستقبل الشعب الفلسطيني رغم مقاطعة فصائل وازنة في منظمة التحرير الفلسطينية وفي مقدمتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورفض غالبية الشخصيات الوطنية، وقوى المقاومة وفي طليعتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وهي الفصائل الثلاثة ذاتها المدعوة للمشاركة في حوار الجزائر يؤكد عدم اهتمام حركة فتح لآراء أو وجهات نظر هذه الفصائل والقوى في القرار السياسي الفلسطيني أو مستقبل الشعب الفلسطيني.
شخصيًّا لا أستبعد أن تقوم حركة فتح بتشكيل وفدها لحوار الجزائر من الشخصيات التي تم تعيينها بشكل مخالف للقانون والإجماع الوطني في اجتماع المجلس المركزي الأخير في رام الله، وذلك بهدف إحراج القوى الفلسطينية الرافضة لاجتماع المركزي والمُشاركة في حوار الجزائر، ودفعها إما لقبول المشاركة في الحوار ومنح شرعية زائفة رُغمًا عنها لتلك الشخصيات المدعومة من الاحتلال، وإما لرفض التحاور وبالتالي خدش علاقتها السياسية مع الجزائر واتهامها فتحاويًّا برفض الوحدة الفلسطينية وإفشال المبادرة الجزائرية.
أيضًا لا ينبغي لنا تجاهل إصرار السلطة على الاستمرار بشكل منفرد في إتمام المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية المُجتزَأة في الضفة في مارس المقبل، التي أجريت مرحلتها الأولى في ديسمبر الماضي في ظل مقاطعة قوى المقاومة والتي اضطرت السلطة على إثرها إلى تأجيل الانتخابات في 47 مجلس قروي للمرحلة الثانية من الانتخابات، وكان من نتائجها فوز 162 بالتزكية من أصل 374 هيئة بسبب عدم وجود قوائم منافسة، بما يشكل في مجموعه نسبة 56% من الهيئات المحلية التي كان يُفترض إجراء الانتخابات البلدية فيها، وهي إشارات واضحة على فشل المرحلة الأولى من الانتخابات، وعدم رغبة فتح بترسيخ الشراكة الوطنية في المجالس البلدية والقروية، وإصرارها على احتكار القرار في جميع المؤسسات الخدماتية الفلسطينية دون استثناء رغم فشل العملية الانتخابية المحلية.
إن نجاح المبادرة الجزائرية يستوجب أن يسبقه تهيئة للشارع الفلسطيني، وإجراءات عملية للتقارب الداخلي، وتأجيل اتخاذ أي خطوات استراتيجية تؤثر في مستقبل الشعب الفلسطيني بشكل أحادي، وبالنظر إلى واقع اليوم نجد أن السلطة الفلسطينية في الضفة لا زالت مستمرة في الاعتقالات السياسية، وترفض أجهزتها الأمنية الإفراج عن كثير من النشطاء الفلسطينيين الذين أصدرت محاكم السلطة ذاتها قرارات بالإفراج عنهم، وهم من تم اعتقالهم بسبب تعبيرهم عن رأي سياسي رافض لنهج أوسلو واستمرار التنسيق الأمني، كما أنها قامت بتعزيز علاقتها الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال من خلال قيام مسؤوليها بزيارات ودية لقادة الاحتلال، في ظل تعهّد رئيس حكومة الاحتلال "نفتالي بينيت" بعدم تخلّيه عن موقفه الرافض لإقامة دولة فلسطينية، ورفضه إجراء أي مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين، ما يعني تطبيقًا عمليًّا بمشاركة فلسطينية لنظرية "السلام الاقتصادي" التي لطالما نادى بها الاحتلال لتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني، وتصفية القضية الفلسطينية.
كما أن السلطة ما زالت مستمرة في حرمان أهالي الأسرى والشهداء، وموظفي غزة من رواتبهم ومخصصاتهم الشهرية التي توفر لقمة عيش لأطفالهم الصغار، كما أنها تصر ومنذ عدة أشهر على حرمان أكثر من ثمانين ألف أسرة فلسطينية فقيرة في غزة من مخصصاتها الشهرية تحت ذريعة عدم توفر الموازنة، ما رفع مؤشرات الفقر في غزة لتصل إلى 85% بحسب بيانات وزارة التنمية في غزة، في مشاركة عملية لحصار غزة، وإجراءات لا يُفهَم منها سوى تشكيل ضغوطات لدفع غزة والمقاومة نحو الاستسلام وقبول شروط الاحتلال.
إن نجاح المبادرة الجزائرية هو رغبة يأملها الكل الفلسطيني، لكن الشواهد على الأرض تشير إلى وجود مؤشرات واضحة لإفشال هذه المبادرة من قبل السلطة الفلسطينية، وهي مؤشرات تستوجب من قوى المقاومة الفلسطينية المشارِكة في حوار الجزائر أن تتعامل بحكمة وذكاء سياسيين، والانتباه للمآرب الخفية للسلطة الفلسطينية وحركة فتح من قبول المبادرة الجزائرية، وفي ذات الوقت العمل على تعزيز العلاقة السياسية والأخوية بين المقاومة الفلسطينية والشعب الجزائري الشقيق.