هل يقف العالم على شفا حرب عالمية ثالثة؟ الإجابة عن هذا السؤال الكبير تحتاج إلى معلومات استخبارية عالية الجودة، وهي غير متوفرة الآن للمحللين. وتحتاج الإجابة أيضا لمعرفة عميقة بشخصية بوتين الرئيس الروسي، وهل هو من هذا النوع الذي يسعى لمجد شخصي وقومي من خلال استراتيجية الحرب أو حافة الهاوية؟ وفي الوقت نفسه يحتاج لمعرفة دقيقة بالموقف الأمريكي الأوروبي، وهل التصريحات الصادرة عنهما تعبر بشكل دقيق وصادق عن الموقف الحقيقي؟
في ضوء تعقيدات ما تقدم من أسئلة واحتياجات، نترك الإجابة المباشرة عن سؤال البداية، ونقارب الإجراءات المحتملة. من المعلوم أن الاتحاد الأوروبي، وحلف الأطلسي قد توسعا باتجاه الشرق بضم جمهوريات الاتحاد السوفيتي لعضويتهما، وهذا على حساب المصالح والأمن الروسي، ومن المعلوم أن أمريكا زادت من قواتها العسكرية الموجودة في هذه الدول في محيط الدولة الروسية.
روسيا قلقة من الوجود الأمريكي الأوروبي في حدائقها الخلفية، ولكن قلقها الأكبر يأتي من نظام الحكم الأوكراني الموالي للغرب، ومن محاولة الغرب ضم أوكرانيا للحلف الأطلسي، وتزايد إمدادات السلاح الغربي لأوكرانيا. أضف إلى هذا أنه ثمت تمرد لصالح روسيا في مناطق شرق أوكرانيا، وروسيا تدعم هذا التمرد، وتود أن يحكم أوكرانيا حزب موالٍ لها.
هذه المعلومات حين يضعها المحلل إزاء شخصية بوتين الذي يطمح لاستعادة قوة الاتحاد السوفيتي، ووضع روسيا كدولة مقررة في النظام العالمي وفي النزاعات الدولية، يمكن أن تعطي إجابة عن احتمالات متقدمة لوقوع حرب في أوكرانيا، أضف لذلك أن انضمام الصين لروسيا في مطالبة الأطلسي بوقف إجراءات ضم أوكرانيا، يعطي الموقف الروسي قوة، وفي المقابل تدعم روسيا الصين في مواجهة إدارة بايدن والأطلسي، ولكن من يرجح حربًا في أوكرانيا لا يمكنه ترجيح وقوع حرب عالمية ثالثة، لأن معطيات هذه الحرب غير متوفرة بشكل كبير.
إن الطموح الروسي، والتفاهم الروسي الصيني في عدة قضايا، منها أوكرانيا وتايون، قد يكون علامة على فرص عالية للمغامرة بغزو أوكرانيا إن لم تتراجع حكومة أوكرانيا وإدارة الأطلسي تراجعًا يرضي غرور بوتين. ولكن هل وقوع غزو سيفجر شرارة حرب عالمية ثالثة؟
أنا لا أعتقد ذلك، لأنه لو علم بوتين أن غزو أوكرانيا سيذهب به لحرب عالمية فإنه سيتوقف كثيرا ويمتنع عن قرار الغزو، وأحسبه يحاول الوصول لأهدافه الرئيسة من خلال سياسة حافة الهاوية، ليس إلا، وبوتين شخصية قيادية تعرف التراجع الإيجابي عند الضرورة. ومع ذلك نحن في حاجة للمتابعة وانتظار ما تكشف عنه الأيام والوقائع، فالأيام في منطقة أوكرانيا ومحيطها حبلى بالمفاجآت، والله أعلم. والمؤسف أن نظامنا العربي ليس له ذكر ولا وجود ولا اعتبار في هذه الأحداث العالمية على خطورتها! نظامنا العربي يتسكع في الأزقة الداخلية لحفظ العرش، ويعيش على فتات موائد الكبار.