سيف القدس أو كما يسميها الاحتلال بـ "حارس الأسوار"، فرضت نفسها في كل خطوة وسلوك وجريمة واعتداء تقوم به (إسرائيل) ضد الفلسطينيين، إذ تكون تلك الجولة حاضرة في ذهنه ولا تغيب تأثيراتها، وما حملته في طياتها من نقلة نوعية وكمية في قوة ودقة ومدى صواريخ المقاومة التفجيرية، تلك ليست مبالغة وإنما ما عبر عنه ساسة إسرائيليون أكدوا أن “حرب غزة الأخيرة بينت أن عملية صناعة القرار (الإسرائيلي) ضعيفة، وتمليها اعتبارات شخصية وحزبية، إلى الدرجة التي باتت فيها مواجهة المقاومة بغزة في أدنى نقطة في تاريخ الدولة، بدليل أنها رفعت رأسها في هذه المواجهة، مقابل حالة الانقسام الداخلي والهدم الذاتي (للإسرائيليين) أنفسهم، مما تسبب بإضعافهم، كان ضمن هؤلاء الساسة قائد الجبهة الداخلية أوري جوردون الذي أكد أن ما تعرض له الكيان من صواريخ غزة شيء غير مسبوق، ولم تستعد له الجبهة الداخلية بالصورة الكافية.
هذه المعركة التي خاضتها المقاومة في غزة نصرة للقدس والشيخ جراح ورسخت معادلة جديدة يعيها الاحتلال جيدا وهي أنه لم يعد هناك فصل بين غزة والضفة، وأمر الفصل بين القطاعات الفلسطينية ضرب من الخيال، ليبقى تساؤل في أروقة صنع القرار في (إسرائيل) بأن هذه قوة غزة فكيف سيكون الحال إذا اندلعت حرب مع ساحات أكثر إيلاماً وأشد فتكاً، مثل إيران وحزب الله؟
تلك المعادلة رسختها غزة وعمل بموجبها الاحتلال وحافظ قدر المستطاع على عدم الإخلال بتوازناتها، لكن بعد عدة شهور من الهدوء الحذر، فجر عضو الكنيست الصهيوني "إيتمار بن غفير" عن حزب "القوة اليهودية" الأوضاع في حي الشيخ جراح من خلال إعلان نيته إعادة فتح مكتبه الاستفزازي على أرض عائلة سالم المهددة بالمصادرة، وسط اعتداءات واعتقالات طالت الأهالي والمتضامنين في الحي، الأمر نفسه حاول فعله بن غفير في مايو ٢٠٢١ لكن سيف القدس أجبرته على الرحيل.
فصائل المقاومة تراقب ما يجري في الشيخ جراح من كثب، ما دعاها لأن تعلن أنها لن تسمح بكسر المعادلة التي رسّختها خلال المواجهة الأخيرة، وأن قضية القدس خطّ أحمر، والاعتداء عليها سيشعل الأوضاع بشكل غير متوقَّع لجميع الأطراف، مؤكدة أن سيف القدس ما زال مشرعاً؛ الأمر الذي يدركه الاحتلال ويعيه تماما، حيث إن التصعيد في القدس قد يفجر سيف القدس2.
تخوفات الاحتلال من هذا السيناريو أصبحت أكثر وضوحاً بعد مهاجمة وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد "بن غفير" على خلفية تفاقم الأحداث في الشيخ جراح، متهما إياه بممارسة "التحريض" والمكاسب السياسية، إضافة إلى الوثيقة التي أوردتها هيئة البث الإسرائيلية، وعممها قائد فرقة الضفة العسكرية التابعة للاحتلال على ضباطه، حذّر فيها من تصعيد أمني في الضفة خلال شهر رمضان الذي يصادف مطلع أبريل المقبل، مشيرا إلى أن "المواد القابلة للاشتعال موجودة في كل مكان، ما ينقص هو عود الثقاب الذي سيؤجج الأوضاع".
تصريحات قادة الاحتلال هذه تزامنت معها الوساطات وتدخلات بعض الأطراف منها المصريون والقطريون، وبث رسائل طمأنة، إضافة إلى طلب إدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن، الحكومة (الإسرائيلية) باتخاذ إجراءات لتفادي التصعيد وإعادة الهدوء إلى حي الشيخ جراح بالقدس، كما طالب بوضع حد لسياسة هدم بيوت الفلسطينيين أو إجلائهم منها في الضفة المحتلة، بما في ذلك القدس المحتلة وحي الشيخ جراح، هذا ما ترجم على الأرض مباشرة بمنع وصول المستوطنين إلى الشيخ جراح منعاً لحدوث صدامات، وتأكيدها عدم انسياقها خلف مخطّطات بن غفير، هذه التخوفات والتدخلات والإدانات لسلوك الاحتلال، والخلافات بين قادة الاحتلال التي وصلت إلى مهاجمة بن غفير واتهامه بالمحرض، ذلك لم يكن ليحصل لولا سيف القدس وحضورها الكبير في المشهد.
من خلال ذلك يتضح أن الجهات الأمنية الإسرائيلية معنية بشكل كبير بحالة الهدوء على مختلف الجبهات، وأن حدثاً صغيراً قد يؤدي إلى اشتعال الأوضاع، لذا لن تسمح قيادة الاحتلال بتوتير الأجواء أكثر، وسوف تعمل على ضبط واحتواء الأوضاع في حي الشيخ جراح قدر المستطاع، كي لا تتفاقم الأمور لتصل إلى سيف القدس٢.