فلسطين أون لاين

تقرير مرضى السرطان.. ضحية "الانتظار القاتل" للعلاج والأجهزة المتعطلة

...
صورة أرشيفية
غزة/ هدى الدلو:

رسمت واقعًا علاجيًّا بدا مشرقًا وتخيلت نفسها وقد تعافت من المرض في مدة قصيرة، لكن ما إن داست عتبة المشفى حتى صدمت بصنوف من الألم تحيط بمرضى السرطان من كل جانب.

دخلت ختام حسان من بلدة المغراقة الواقعة جنوب محافظة غزة معترك التجوال على الأطباء في عام 2016، بعد استيقاظها ذات ليلة على وجع أشبه بوخزة دبوس أو قرصة بعوض في الجانب الأيسر من صدرها، أثار الأمر قلقها فأجرت فحصًا ذاتيًّا قبل التوجه إلى الطبيب.

تقول ختام: "شعرت بوجود كيس أو كتلة في صدري فلجأت إلى أحد المستشفيات، حينها أبلغني الطبيب أنه لا داعي للقلق، وبعد عامين تكرر الألم، وظهر كيس أكبر انفجر في أثناء أخذ عينة منه للفحص الذي أظهر إصابتي بالسرطان من الدرجة الثالثة".

بدأت ختام (52 عامًا) تلقي الجرعات الكيميائية بعد استئصال الثدي الأيسر، ولكن جسدها لم يقوَ على تحمل أوجاع وآلام "الكيماوي"، فبعد ساعتين من الجرعة تشعر بحرقة في العينين وكأن أحدًا رشهما بماء النار، فضلًا عن تساقط شعرها ورموشها وحواجبها، إلى جانب شعورها بأن نارًا تسري في جسمها تدفعها للصراخ بأعلى صوتها.

أمام تلك المعاناة غُيّر البروتوكول العلاجي إلى آخر غير متوافر في مشافي غزة، لتواجه مشكلة انتظار الحصول على تحويلة طبية، وإصدار تصريح، والانتظار على حاجز بيت حانون، وفي إحدى المرات بعد تكبدها عناء ومشقة الطريق عادت أدراجها متعبة بحجة "المنع الأمني" في إثر إقحامها داخل غرفة صغيرة عند الحاجز للتحقيق، في مرات أخرى تعطلت التحويلة لعدم توافر تغطية مالية للمشفى.

وتشير ختام إلى أنها منذ انتشار فيروس كورونا لم تتلقَّ أي جرعة علاجية، عدا إجرائها فحصًا طبيًّا كل ثلاثة أشهر في مستشفى الرنتيسي التخصصي، الذي يصرف لها بعض العلاجات الدوائية المتوافرة، وأخرى تنتظر وصولها مددًا تطول وتقصر، بعضها له علاقة بالمناعة، ما يفرض عليها تجنب الاختلاط بمن حولها، والآخر لتسكين الآلام المتزايدة في فصل الشتاء.

لكن أكثر ما يؤلمها هو الانتظار المقيت لإجراء صورة إشعاعية مع التعطل المستمر لجهاز الرنين المغناطيسي في مشفى الشفاء، ومنع الاحتلال وصول قطع الغيار، تتساءل ختام: "لماذا نتكبد هذا العناء الجسدي والنفسي والمادي، لنعود في كل مرة إلى دوامة فقدان العلاج وتعطل الأجهزة؟! أين العدالة الاجتماعية لمرضى غزة؟!".

الانتظار القاتل

أما سحر الخباري (31 عامًا) فقد اكتشف إصابتها بسرطان الغدة الدرقية بعد ولادة طفلها الثاني، في حينه أظهرت العينة أنه حميد، فآثرت تأجيل استئصال الورم ستة أشهر حتى يكبر صغيرها.

وبعد استئصاله وإخضاعه للفحص ثانية تبين أنه خبيث، لم تتقبل سحر الخبر وتعبت نفسيًّا، وانتظرت سبعة أشهر للحصول على تحويلة علاجية، كان مسوغ تأخر صدورها هو صغر سنها.

ويفترض بسحر الذهاب إلى مستشفى المطلع في القدس المحتلة 3 أو 4 مرات سنويًّا لتلقي العلاج وإجراء الفحوصات الطبية، لكنها منذ عام تصدم برسالة "قيد الفحص".

وترى أن مريض السرطان يعيش معاناة من كل جانب: "الآلام والأوجاع من جهة، وعدم توافر العلاج والدواء والأجهزة كجهاز المسح الذري لنتكبد عناء السفر لأجل تصوير طبي من جهة، والتكاليف المادية أيضًا، وصعوبة الحصول على التحويلة الطبية".

تكمل حديثها: "يفترض أن يحصل المريض على تغطية مالية 100%، حتى الجمعيات الداعمة توقف عملها بسبب سوء الوضع في القطاع".

حق إنساني يسيسه الاحتلال

ومن جانبه يتحدث الدكتور ناهض الجعبري استشاري أمراض الدم أن معاناة مرضى السرطان في القطاع مضاعفة، بسبب الظروف الخاصة التي يمر بها من حصار، ونقص في الأدوية التي يحتاجون لها.

ويشير إلى أن مرضى السرطان في القطاع يعانون أزمة نقص الأدوية الخاصة بهم، فضلًا عن أن بعضها غير متوافر، ما يستدعي إجراء تحويلات طبية إلى الداخل المحتل، وقد لا يستطيع جميعهم السفر بسبب العراقيل التي يفرضها الاحتلال على المسافرين.

ويضيف: "إلى جانب ذلك يعاني مرضى السرطان عدم توافر أجهزة المسح الذري والإشعاعي للكشف عن أنواع السرطان، وإجراء التشخيص المناسب".

ويذكر د. الجعبري أنه يحدد البرتوكول العلاجي للمريض، وفي الغالب يعطى 4 جرعات أو أكثر حسب التشخيص، وطبيعة الورم ليمفاوي أم غير ليمفاوي، وبعدها يحول إلى أحد المستشفيات في الضفة الغربية المحتلة وفيها القدس، لعمل "مسح ذري" يعطي صورة أدق للغدد المستهدفة من العلاج ولا تكشفها أجهزة التصوير "الطبقي".

ويوضح أن مريض السرطان يعطى العلاج المتوافر في القطاع، وفي حال عدم توافره يعمل نموذج رقم واحد لإجراء تحويلة طبية إلى أحد المستشفيات التي تتعامل معها السلطة الفلسطينية ماليًّا.

وإذ يشدد الجعبري على أن الحق في العلاج عدالة اجتماعية يجب أن يكون الجميع على مسافة واحدة منها؛ يشير إلى المشاكل التي تواجه مرضى التحويلات الطبية بدءًا من موافقة المستشفى الذي يريد استقبال المريض وفق موعد محدد، "وليس كما يعتقد بعضٌ في الحصول على التغطية المالية".

ويضيف: "أحيانًا بعد الانتهاء من كل الإجراءات تصل إلى المريض رسالة من الاحتلال بأنه قيد الفحص، فنضطر إلى الحصول على موعد جديد يستغرق الحصول عليه أسبوعين على أقل تقدير".

ويبين الجعبري أن هذه التأخيرات تؤثر في أي مريض، "فكيف لو كان مريض أورام، كلما تأخر العلاج تأثر صحيًّا وقد يفقد حياته؟! هذا إلى جانب أن السفر يسبب للمرضى عناء جسديًّا وبحاجة لتكلفة مادية لا يقدر بعضٌ عليها".

ويشدد على أن حصول المريض على العلاج حق إنساني يسيسه الاحتلال، الذي يمعن في التضييق بمنع إدخال الأدوية والأجهزة الطبية.