فلسطين أون لاين

مرفوضٌ وطنيًّا وشعبيًّا

التعاون الأمني.. فتات تقتات عليه السلطة من وراء سراب "أوسلو"

...
صورة أرشيفية
رام الله -غزة/ أدهم الشريف:

شكَّل اتفاق أوسلو سنة 1993 "ضوءًا أخضر" لتأسيس السلطة والإتيان بها إلى الأراضي الفلسطينية، وفق مبادئَ وأُسسٍ حدّدها الاتفاق الذي وقّعته قيادة منظمة التحرير مع الاحتلال الإسرائيلي، برعايةٍ أمريكيةٍ ودوليةٍ ومباركة عربية.

وفي إثر هذا الاتفاق تشكّلت السلطة ومارست حكمها في قطاع غزة والضفة الغربية المُقسّمة حسب الاتفاق إلى ثلاث مناطق: (أ) وتخضع لسيطرة السلطة مدنيًّا وأمنيًّا، و(ب) السيطرة المدنية فيها للسلطة وأمنيًّا تخضع لسيطرة أمن السلطة والاحتلال، أما المنطقة (ج) فهي تخضع لسيطرة الاحتلال مدنيًّا وأمنيًّا بشكل كامل.

لكن بعد سنواتٍ طويلةٍ مرّت على الاتفاق أصبحت الضفة الغربية كلّها تخضع لقبضةِ أمن الاحتلال الإسرائيلي، الذي يلاحق المواطنين ويعتقلهم ويغتالُ المقاومين، ومعه أجهزة أمن السلطة التي تَحوّل دورها بمرور السنوات بدلًا من حماية المواطنين والدفاع عنهم إلى ممارسة القمع والاعتقال السياسيَّين، اللذَيْن يطالان الآن في عهد رئيس السلطة محمود عباس النشطاءَ وعناصرَ المقاومة، ويُزجُّ بهم في سجون أجهزة أمنه.

وفي مشهدٍ تكرّر كثيرًا لاحقت أجهزة أمن السلطة في الضفة المقاومين واستطاعت اعتقالهم والزجّ بهم في سجونها، ومن بقيَ خارجها اعتقلته قوات الاحتلال وزجّت بهم في سجونها أيضًا.

وهذا كلّه نتيجة التعاون الأمني الذي تُمارسه السلطة، وفق ما ذكر مُراقبون.

وبات هذا النوع من التعاون الأمني بمرور السنوات من الملفات الأكثرَ جدلًا في المشهد السياسي الفلسطيني، وقد أضحى ظاهرةً طارئةً أمامَ النّضال الوطني للشعب الفلسطيني، وعثرةً في وجه التصدّي لخُطط الاحتلال واستيطانه.

وسبق أن نادت فصائل المقاومة الفلسطينية، منها فصائل تتبع منظمة التحرير التي تُهيمِن على مفاصلها حركة فتح وقيادة السلطة؛ بوقف التعاون الأمني، لكنّ هذا المطلب لم يجدْ آذانًا صاغية، وقُوبل بمزيدٍ من القمع واستهداف عناصر المقاومة والنشطاء والمعارضين السياسيّين، وأبرزهم كان الشهيد نزار بنات، الذي اغتالته قوة من جهاز الأمن الوقائي في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، بتاريخ 24 حزيران (يونيو) 2021.

ونتيجة لهذه السياسة التي تُصرُّ السلطة على مواصلتها تتّهمُها وأجهزةَ أمنها في الضفة الغربية قوى وطنية وإسلامية، ونشطاء وحقوقيون، ونخب سياسية؛ بـ"مساعدة الاحتلال، ومحاربة وملاحقة فصائل المقاومة".

التعاون الأمني والقانون الدولي

ويرى المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) د. عمار دويك أن الساحة الفلسطينية تخلو من المدافعين عن فكرة التعاون الأمني من حيث المبدأ، وأنّ المعارضين له هم الأغلبيّة الساحقة، في وقت لا يثير أحد البعد الحقوقي والقانوني لهذا الملف.

وفي مقالة له كتب دويك: "التنسيق الأمني أو تبادل المعلومات الأمنية بين دولة الاحتلال التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل مُمنهجٍ وعلى نطاقٍ واسع، وترتكب بحق المدنيين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والسلطة الرسمية التي تمثل المواطنين الخاضعين للاحتلال، ولا تملك السيادة على الأرض، وليست لديها القدرة على توفير الحماية لمواطنيها في مواجهة الاحتلال؛ هو موضوع واضح من حيث مخالفته القانون الدولي لحقوق الإنسان".

وأكّد دويك أنّ الاحتلال لا يحترم حقوق الإنسان، ولا يتورّع عن إعدام أيّ مواطنٍ فلسطينيّ خارج إطار القانون بمجرّد عدّه خطرًا أمنيًّا أو "قنبلة موقوتة"، حسب التعبير المستخدم في مخابرات الاحتلال، وفي حالات كثيرة هدم منازل فوق رؤوس المقاومين وسكانها من المدنيّين الأبرياء، واستشهاد الشّخص المستهدف وعائلته وجيرانه، دون أن تُعقد له أيّ محاكمة يُتاح له فيها حقّ الدفاع.

وشدّد على أنّ انتهاكات الاحتلال "الجسيمة" لحقوق الإنسان، واستباحته دم وحرية وممتلكات المواطن الفلسطيني دون أيّ شكل من أشكال الحماية القانونية؛ ذلك يفرض على الجهات الرسمية واجبًا قانونيًّا وأخلاقيًّا بممارسة رقابةٍ صارمةٍ على عملية التعاون الأمني، تضمن عدم تمرير أيّ معلومة قد تؤدّي إلى انتهاك أيّ حقّ من حقوق الإنسان المكفولة في الاتفاقيات الدولية.

وحسب وثيقةٍ نشرها "الكنيست" الإسرائيلي في وقت سابق؛ إنّ ثلاث هيئات تتولى القيام والإشراف على التعاون الأمني والتعاون في القضايا الأمنية المتبادلة، وتتألف من لجان، وتضمّ أعضاء، وتتّخذ قرارات بموافقة الطرفين.

وتشمل صلاحيات اللجنة المشتركة -حسب الوثيقة-: وضع خطّةٍ شاملةٍ للتّنسيقِ الكامل بين قوات جيش الاحتلال وأجهزة أمن السلطة، ويراجع الاحتلال هذه الخطط كلّ 6 أشهر، أو حسب الحاجة، ويشارك فعليًّا في صياغة الخطط الأمنية لأجهزة أمن السلطة.

أيّ سيادة هذه؟!

ويرى أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي د. أمجد شهاب، المُقيم بالقدس؛ أنّ استمرارَ وجود السلطة مرتبط بمواصلة ممارستها التعاون الأمني، وأنّ الوظيفة الوحيدة لها هي ممارسة هذا النوع من التعاون، و"هو الذي يمدُّها بالحياة"، حسب قوله.

واستذكر شهاب خلال حديثه إلى "فلسطين" تصريحات وردت على لسان نبيل أبو ردينة الناطق باسم رئاسة السلطة، عَدَّ فيها التعاون الأمني مع الاحتلال "نوعًا من السيادة الفلسطينية، والدفاع عن الشعب الفلسطيني".

وأضاف شهاب أنّ التعاون الأمني يجعل السلطة جزءًا لا يتجزّأ من الاحتلال، وتمارس انتهاكات الاحتلال نفسها في ملاحقة المقاومين واعتقالهم".

واستذكر ردّ ناصر القدوة، العضو السابق في اللجنة المركزية لحركة فتح، المفصول منها بقرارٍ من عباس، على تصريحات أبو ردينة، إذ أكّد أنّ التعاون الأمني "أمر مؤسف وغير سيادي".

وأكّد القدوة أيضًا أنّ ما يجري ليس تنسيقًا أمنيًّا بقدر ما هو ارتباطٌ مباشرٌ لجزء من أجهزة أمن السلطة بأجهزة أمن الاحتلال.