فلسطين أون لاين

تدنٍّ في الأجور وغلاء فاحش

تقرير لاجئو لبنان الفلسطينيون في الشتاء.. "قوت ولا تموت"

...
بيروت-غزة/ مريم الشوبكي:

في بيت لا ترى جدرانه الشمس ولا تزيد مساحته على 60 مترًا، يعيش جهاد دلال مع عائلته في مخيم الجليل في البقاع اللبناني. التجمد خارج البيت هو سيد الموقف، إذ درجة في أدنى معدلاتها بل تقترب من الصفر، لا كهرباء لمقاومة البرد، ولا وقود ليشعل "الصوبا" بسبب ارتفاع أسعاره ارتفاعًا جنونيًا.

يعمل دلال (52عاما) على عربية نقل، وقد تراجع دخلُه وتدنّت أُجرته مع جائحة كورونا والأوضاع الاقتصادية والسائدة في لبنان، فما يجنيه بالكاد يُوفّر "طبخة يوم تخلو من اللحوم"، والقليل من الوقود ليقيَ عائلته الشتاء القارس لبضعة أيام.

شعارُه المرحلي "لا يموت الدّيب ولا يفنى الغنم"، فقبل كورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان، كانت أُجرة النقلة الواحدة 20 دولارًا، واليوم مع تضخُّم أسعار الصرف أصبحت أقل من 10 دولارات، "ويبقى ذلك أفضل من لا شيء"، كما يقول.

يصف دلال لـ"فلسطين" وضعه المعيشي بالمأساوي، قائلا: "نعيش كما يعيش النّمل، وعلى رأي المثل قوت ولا تموت".

وهو مَثَلٌ شعبيٌّ فلسطيني يُدلّلُ على شدّة الفقر والأكل بما يسدُّ الرّمقَ فلا هو حيٌّ ولا هو ميت.

ويُضيف: "نعمل في الصيف حتى نُموّن بيوتنا في الشتاء حيث التجمُّد في البقاع فلا نستطيع أن نعيشَ دون تدفئة، والكهرباء لا تصلُنا سوى ساعة في اليوم".

ويتابع دلال: "لدينا ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والمحروقات حيث نشتريها بالدولار، في ظل تهاوِي الليرة اللبنانية، لذا تضطرُّ زوجتي لإعداد وجبة طعام تكفينا غذاء ثلاثة أيام حتى نوفر الغاز، وفي كثير من الأحيان تطبخ على مدفئة المازوت المُشتعلة طوال اليوم".

ويردفُ: "قبلَ أيامٍ استدنْتُ بعض المال حتى أستطيع العيش وتوفير الأكل لعائلتي المكوّنة من سبعة أفراد، لدي ابنان في الجامعة أُغلقت صفحاتهما الجامعية بسبب عدم تمكّني من دفع الرسوم".

الكهرباء وأزمات أخرى

ولتُعين نفسها وزوجها على شظف الحياة، اضطرت إلهام منصور إلى العمل في تنظيف أحد المساجد في مخيم الجليل، وفي بعض الأحيان العمل في تنظيف البيوت، فزوجها مصاب بكسر في عموده الفقري ولا يقوى على الحركة.

تقول منصور (43 عاما) لـ"فلسطين": "يحتاج زوجي إلى علاج دائم وزيارة دورية للمستشفى، وهذا ما لا أقوى على فعله بسبب عدم توفّر المال، وفي كثير من الأحيان أدخل في حالة إعياءٍ شديد ولا أتمكّن من مراجعة الطبيب".

والمشكلة الأكبر التي تعانيها المخيمات الفلسطينية، هي عدم وصول التيار الكهرباء من شركة الكهرباء اللبنانية سوى ساعة أو ساعتين على الأكثر خلال اليوم، حيث يعتمد السكان على اشتراكات المولدات الكهربائية التي تشهد ارتفاعًا في الأسعار مع ارتفاع أسعار المحروقات.

وتُبيّن منصور أنّ لديها اشتراكًا شهريًّا للكهرباء يضمن وصول الكهرباء لديها خمس ساعات على مدار اليوم فالبيوت في المخيمات متلاصقة، ومُعتمة، وباردة للغاية في فصل الشتاء.

تُعاني التهاب الغدد اللّمفاوية، ومع ذلك تعمل نحو ثماني ساعاتٍ يوميًّا في تنظيف الجامعِ والبيوت، لكي توفّر لقمة العيش لعائلتها.

وتُوضّح منصور أنّ الماءَ يتجمّدُ في الخزّانات بسبب الصقيع، وتتفاقم مشكلةُ المياه في المُخيّمات طوال فصل الشتاء.

وتُعاني مخيماتُ اللجوءِ في لبنان تفشّي فيروس كورونا بسبب الاكتظاظ، وتخلّي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) عن دورها في التعقيم الدوري للمخيمات، والمدارس.

تُلفت إلى أنّ مدرسة ابنتها ذات (12 عاما) أُغلقت لمدة أربعة أيام، بعد اكتشاف حالات كثيرة مصابة بكورونا بين الطلبة، والمدرسين، وتمنّعت عن عودة ابنتها إلى المدرسة خوفا على حياة زوجها الذي يعاني وضعًا صحيًّا صعبًا.

غياب الإغاثة

ومن جهته يُبين مدير منظمة ثابت لحق العودة سامي حمود أبرز الأزمات التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حيث تشهد الليرة اللبنانية انهيارًا حادًّا أمام الدولار، وانقطاعًا دائمًا للتيّار الكهربائي وفقدان مادتي البنزين، والمازوت (السولار) واحتكارهما في السوق السوداء، إضافةً إلى توقُّف الأفران وارتفاع سعر الخبز، وغلاء أسعار المواد الغذائية، ورفع الدّعم عن الدواء وفقدان كثيرٍ من الأدوية.

ويُشير حمود لـ"فلسطين" إلى أنّ معدلات البطالة والفقر ارتفعت في مجتمع اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان إذ تجاوزت 85%، في ظلّ غياب فرص العمل وقلة المساعدات الإغاثية المقدّمة لهم من وكالة "الأونروا".

ويُلفت إلى أنّ دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" غاب بشكلٍ لافتٍ خلال أزماتهم الإنسانية وعدم إقرار خطة طوارئ إغاثية لتقديم المساعدات الدورية لهم.

ويُوضّح حمود أنّ المخيمات الفلسطينية في لبنان تأثّرت على المستوى الصحّي تحت وطأة جائحة "كورونا" ومُتحوّراتها، في ظلّ عدم إعلان "الأونروا" حالة طوارئ صحية لمواجهة تفشّي الفيروس، في ظلّ تقصير الوكالة وسوء أدائها في مواجهة الجائحة.

ويُبيّن أنّ أداء وكالة "الأونروا" تراجع في الملف التعليمي، وفشل مشروع التعليم المُدمج من تحقيق أهدافه، وعدم توفير القرطاسيّة والكتب التعليمية للطلاب، مع وجود نقصٍ في الكادر التعليمي.

ويقول حمود: "ثمّ جاء القرار الصّادم والخطير من إدارة وكالة "الأونروا" في تقليص الجزء الأكبر من المساعدة الشهرية للاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سوريا إلى لبنان، بذريعة وجود عجز مالي".

ويتابع: "وعلى المستوى اللبناني، أصدر وزير العمل مصطفى بيرم قرار رقم 96/1، بتاريخ 8 كانون الأول، الذي استثنى فيه اللاجئين الفلسطينيين من المهن الواجب حصرها باللبنانيين فقط، المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجَّلين رسميًا في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية، ما أثار ضجّةً في الأوساط اللبنانية وأبرزها من رئيس التيّار الوطني الحر "جبران باسيل" الذي وصف القرار بأنه توطينٌ مبطن".