لافتة هي الحملة الدبلوماسية والإعلامية الشعواء التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي ضد منظمة العفو الدولية- أمنستي، عقب صدور تقريرها الخاص بشرح معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، الذي وصفته المنظمة بأنه ينتهج نظام التمييز العنصري والأبارتهايد، رغم أنه يطبق ذلك عمليًّا، ولا يتورع عن المجاهرة بأساليبه الظالمة ضد الفلسطينيين، لكنه إن وصل الأمر لتوثيقه بتقارير دولية من منظمات مشهود لها بالمهنية والموضوعية، حينها، وحينها فقط يجن جنون (إسرائيل).
تعود مسألة انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني بجذورها إلى عقيدة الحركة الصهيونية، والأهداف التي حددتها منذ نشأتها التنظيمية، وطبيعة الأهداف التي من أجلها قام الغرب بتشجيعها، التي تتلخص بالتآمر على نهضة الشعب الفلسطيني، وتحرره، وكان واضحًا منذ البداية أن الصهيونية من حيث إنها حركة استيطانية قامت على أساس استقدام اليهود إلى فلسطين، وإنشاء مستوطنات على الأراضي الفلسطينية، وبناء قوة مسلحة مدعومة من قبل القوى الكبرى في العالم، ضمن خطة لإجلاء الفلسطينيين بالقوة، وإنشاء دولة يهودية خاصة "نقية" على أرضهم.
كعادتها، تتغاضى دولة الاحتلال عند هجومها على أمنستي وغيرها من المنظمات الحقوقية، عن المبادئ العامة لعقيدتها العسكرية، ومن أهمها: الطبيعة العدوانية، وما ينتج عنها، والاحتلال والتوسع وتبعاتهما على صعيد السياسة الاستيطانية بعد طرد الفلسطينيين من ديارهم، بجانب العنف المطلق، والإرهاب المتجسد في التدمير الكلي والقسوة الوحشية، ما يؤكد تزامن نشأة الإرهاب الإسرائيلي مع بداية الاحتلال الصهيوني، وهو ما زال مستمرًّا باستمرار ذلك الاحتلال.
لقد لجأت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ممثلة بالجيش والمخابرات باختلاف أقسامهما، لتبرير الممارسات والانتهاكات التي ترتكبها، من خلال كتابات القادة الإسرائيليين وتصريحاتهم، ممن أوضحوا أن التربية العسكرية الإسرائيلية بنيت، من بين ما بنيت عليه، على الإيمان بالعسكرية إيمانا مطلقا، وتنشئة الأجيال المتعاقبة من الإسرائيليين عليها لتصبح عنصرا أساسيا من تكوينهم، ونقض الحقوق الطبيعية للفلسطينيين بصورة مطلقة، وأصبحت فيها جريمة إبادة الجنس العربي بالنسبة للاحتلال عملا مطلوبا من أجل ذاته، بجانب تبرير اللجوء لأي وسيلة، مهما كانت ممعنة في الإجرام، لتحقيق أهداف الاحتلال، حتى يغدو القتل والاغتيال والإرهاب من سلوكيات الحياة اليومية.
إن الحملة الإسرائيلية، وعلى كل المستويات، ضد أمنستي، يوقع الاحتلال في تناقض سافر وفج، فهذه المنظمة الحقوقية وسواها من المنظمات الدولية، لم تفعل سوى وضع يدها على أهم مؤشرات العرقية والاستعلاء العنصري الذي ينتهجه ذلك الاحتلال ضد الفلسطينيين، بجانب مشاهد السحق والإبادة، ولعل تزامن صدور تقرير أمنستي مع الكشف عن القبور الجماعية الناجمة عن مذابح العصابات الصهيونية في الطنطورة إبان حرب 48، يعطيها مزيدا من المصداقية والوجاهة رغم الضجة الإسرائيلية!