الدعوة لانعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في ظل مقاطعة أكثر من ثمانين بالمائة من القوى والفصائل الوازنة على الساحة الفلسطينية هي بالتأكيد خطوة للانقلاب من جديد على القرار الوطني واستبعاد كل من يخالف مسار أبو مازن الداعي للتماهي مع الاحتلال ضد الثوابت الفلسطينية، واستبدال أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة على المقاس، فمنظمة التحرير أصبحت أداة من أدوات أبو مازن يستخدمها عندما يريد ويعطلها كيفما شاء، فالمجلس المركزي اجتمع آخر مرة في أكتوبر 2018م. واتخذ قرارات تتعلق بتعليق الاعتراف "بإسرائيل" ووقف التنسيق الأمني دون تطبيق، لتتم اليوم الدعوة من جديد في ظل المقاطعة الواسعة لهذا الاجتماع احتجاجاً على حالة التفرد والإقصاء التي يعانيها القرار الوطني الفلسطيني.
وهنا يتساءل البعض حول إمكانية تحقيق المصالحة في ظل وجود أبو مازن على رأس السلطة الفلسطينية وحركة فتح ومنظمة التحرير، يتم طرح هذا التساؤل نتيجة تعثر جهود المصالحة في كل مرة -وآخرها الجزائر- بعدما يتم الإعلان عن قرب التوصل لإنهاء الانقسام ليعود التفاؤل بين أبناء شعبنا بطي صفحة الانقسام التي طالت أكثر من اللازم ولم يعد من المقبول استمرار هذه الحالة التي أضرت بقضيتنا بشكل كبير.
بالعودة إلى الأسباب الحقيقية وراء استمرار الانقسام وعدم نجاح جهود المصالحة في جميع الجولات السابقة يتبين لنا أن الاختلاف بين المسارين لكل من حركتي فتح وحماس ليس هو السبب الرئيس فقط لأن الحركتين اتفقتا في مواطن عديدة وعملتا معاً في العديد من الملفات الوطنية، في حين يعود السبب الرئيس إلى وجود مجموعة من أصحاب المصالح الضيقة الذين يسيطرون على القرار الفلسطيني الرسمي بعد امتلاكهم للمال الذي أصبح مداد الحياة لهذه السلطة، فأبو مازن ومنذ وصوله إلى رئاسة السلطة عمل على إقصاء جميع المعارضين له واستبعادهم من المشهد السياسي بل ألصق بهم التهم الجاهزة وعاقبهم بالحرمان من المناصب أو حتى الوظيفة والراتب، وبقي وحيداً على سدة الحكم بعدما أعاد تشكيل منظمة التحرير "حسب المقاس" لتصبح المنظمة فارغة من مضمونها وضعيفة لا تمثل إلا تياراً واحداً فقط بعيداً عن التعددية السياسية، كما عمل أبو مازن على تعطيل المؤسسة التشريعية في انقلاب واضح على نتائج انتخابات 2006، عدا عن تعطيل الانتخابات الداخلية لحركة فتح على مدار السنوات السابقة وتشكيل اللجنة المركزية "حسب المقاس" واستبعاد جميع الكادر الفتحاوي الذي يمكن أن يكون له رأي في إدارة أبو مازن السلطوية.
وحتى نكون واقعيين، لا يمكن لهذه الحالة من الانقسام والتشرذم الفلسطيني أن تنتهي إلا باستعادة المؤسسات الرسمية دورها الحقيقي في قيادة وتمثيل الشعب الفلسطيني، وأولها حركة فتح التي يجب أن تعود لمبادئها التي انطلقت من أجلها وتجمع أبنائها من جديد، كما لا بد من إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال تمثيلها الحقيقي لجميع أبناء شعبنا في كل مكان وذلك عبر صندوق الانتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة جميع القوى الوطنية، ومن ثم الذهاب لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع بعيداً عن الإقصاء والتفرد.