ما زال الكشف عن تفاصيل مروعة من مجزرة الطنطورة يطرح أسئلة دون إجابات عن حجم الأهوال التي واجهها الفلسطينيون خلال حرب النكبة، الأمر الذي يتطلب تفحصا دقيقا لمعرفة تفاصيل هذه المجازر التي ساعدت العصابات الصهيونية في حينه على تحقيق الأمر الواقع المتمثل بطرد مئات آلاف الفلسطينيين، وإنشاء دولة الاحتلال على أنقاض أراضيهم، مصداقا للمقولة السائدة بأنه "لولا وقوع هذه المجازر لما قامت (إسرائيل)"!
مع العلم أنه في الوقت الذي هاجمت العصابات الصهيونية المدن والقرى الفلسطينية، واحتلتها، فقد ذكر ديفيد بن غوريون رئيس أول حكومة إسرائيلية أمام تجمع صهيوني بافتخار ما حدث من مذابح مروعة قائلًا: إن "ما شهدت البلدات الفلسطينية ساعد في تحويل مهمتنا من الدفاع إلى الهجوم، إذ تمكنا من الاستيلاء على بعض المدن والقرى"، دون أن يذكر صراحة الدور الدموي الذي لعبته عصاباته في قتل الفلسطينيين، وسفك دمائهم، وتقطيع أشلائهم!
إن احتلال المدن والقرى الفلسطينية الذي تخلله تنفيذ أبشع المجازر وأسوأ المذابح لم يكن من صنع العصابات الإرهابية الصهيونية غير المسئولة، بل تم التخطيط لها بواسطة السلطات التي أصبحت فيما بعد تسمى "إسرائيل"، ويمكن دعم هذا الادعاء بالتأكيد على أن هذه الهجمات قامت بها الهاغاناه، اليد العسكرية الرسمية للوكالة اليهودية، وأصبحت فيما بعد "جيش الدفاع الإسرائيلي"، ومعها العصابات المسلحة مثل شتيرن والبالماخ والأرغون، التي قامت بالتعاون مع بعضها البعض في سفك دماء الفلسطينيين.
لعل قراءة دقيقة متأنية في الوثائق الصهيونية والبريطانية بين عامي 1945-1955، من شأنها أن تدلل بوضوح على أن مجزرة الطنطورة وسواها من المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الإرهابية في بلدات "الشيخ وسعسع والخصاص ودير ياسين والرامة وعين زيتون وأبو شوشة ودهمش وحيفا والدوايمة وعيلبون وصفصاف والبعينة وعكا"، إنما هدفت إلى ترحيل الفلسطينيين عن ديارهم وفق خطط مدروسة سلفًا، نفذتها العصابات الصهيونية، ثم أكملها الجيش الإسرائيلي بعد إعلان النكبة.
يمكن استخلاص عدة فرضيات تشير لوجود الخطة الشاملة لتنفيذ هذه المجازر الصهيونية، وعلى رأسها الطنطورة، التي أسفرت عن تدمير ومحو قرابة خمسمائة قرية وبلدة فلسطينية، تم إفراغها من سكانها عبر ذات السياسة الدموية، وأحيانا كان يتم ذبح الفلسطينيين دون سبب عسكري.
لقد شمل ذبح العصابات الصهيونية لمختلف فئات الفلسطينيين وأعمارهم: رجالا ونساء وعجائز وأطفالا، بل مواليد جدد قتلوا بشكل وحشي بالقنابل والسكاكين، ألقيت جثثهم في آبار القرى، وما تبقى منهم، وضعوا في شاحنات جابت بهم شوارع المدن لبث مزيد من الرعب في نفوس من بقوا أحياء، وما هم بأحياء، بما يقدم الحقبة الأكثر حلاكة وقتامة في تاريخ هذا الاحتلال البغيض!