فلسطين أون لاين

تصنع من اللوف البري السام

تقرير "البحبوثة".. سيدة مائدة القرويات الفلسطينيات

...
نابلس- غزة/ مريم الشوبكي:

تقصد آمال خضر، وبعض نساء قرية بيتا شرق مدينة نابلس الجبال في نهار مشمس من أيام فصل الشتاء البارد للبحث عن نبات اللوف، الذي ينبت بين الصخور، حيث يقطفن كميات كبيرة من أوراقه، فهن يعشقن هذه الأكلة التي تذكرهن بلمة العائلة وطعام الجدات في الماضي.

في أيام الشتاء البادرة تفوح رائحة طبق اللوف من كل بيت في بيتا، إذ تحرص القرويات على طهوه قبل انتهاء موسمه القصير، ويجتهدن في قطف كميات كبيرة منه من أجل تجفيفها وإعدادها في الصيف.

واللوف الفلسطيني -والاسم العلمي له (Arum palestinum)- هو نبات بري عريض الورق، عميق الجذور، تحمل زهوره ساق طويلة، وهي عبارة عن كأس مخملية لونها بنفسجي قاتم من الداخل، تتحول إلى حبوب حمراء عند نضجها، وتكون بشكل كوز الذرة.

ويشتهر اللوف الفلسطيني في كل المناطق الفلسطينية، وينمو بين الصخور وفي الأماكن الرطبة والجبلية أيضًا، وفي الأحراش، وهو من الشجيرات التي تحب الأماكن الظليلة.

كانت نساء القرية قديمًا كما كل القرى يطهينه على موقد الحطب ليصنعن "البحبوثة"، وهي عبارة عن عجين مع ورق اللوف، إذ كانت جدة خضر تعصر ورق اللوف مع ملح لتتخلص من المادة الحريفة السامة التي تحتويها النبة البرية.

وفي قدر على النار تقلب الجدة البصل بزيت الزيتون ثم تضيف إليه اللوف بعد فرمه، وبعدها تضع الماء وتترك المكونات لتغلي بعض الوقت.

في المقابل تقول خضر لـ"فلسطين": "إن والدتي كانت تعد "المفتلة" من الدقيق والقليل من الماء وتفركه بيدها حتى تنتج كرات عجين صغيرة تشبه المفتول، تسقطها في مرق اللوف حتى تنضح وتمنحها سماكة".

ولا تزال آمال تحافظ على صنع هذه الأكلة لأطفالها على مدار العام، إذ تخزن ورق اللوف بعد رص الأوراق في خيط وتربطه على شكل قلادة، وتعلقه في مكان معتم لكي يجف تمامًا، ثم مع ساعات الصباح الباكر ترفعه بعد أن يكون قد جف، وتحتفظ به في أكياس بلاستيكية، أو برطمانات.

وتبين أن تجفيف اللوف يخلصه من المادة السامة التي تحدث آلامًا في الحلق، وحين تنوي طهيه تنقعه بالماء الساخن ليعود للأوراق لونها الأخضر، وتقلبها مع قطع البصل والزيت، والبندورة، وفي بعض الأحيان يخلط مع السبانخ، أو اللبن.

واللوف نبات سام ينتمي إلى فصيلة الزنبقيات، وهو أخضر لاحتوائه على أوكسالات الكالسيوم التي يتخلص منها بالغلي أو التجفيف، وتتميز أوراق اللوف التي تُطهى وتؤكل فقط بأنها غنية بالماء وغضة وذات طراوة.

وتعرف تلك النبتة بأوراقها المشابهة لأذن الفيل، ويوجد صنف آخر منها على شكل القلب، وأخرى مشابهة للسبانخ بحجم أكبر.

تجارة واعتقادات علاجية

وأيضًا الفلاحون في قرية عقربا يقطفونه مع بداية شهر كانون الآخر (يناير) حتى منتصف شباط (فبراير)، قبل أن تقسو أوراقه وتذبل، وكانوا قديمًا يستخدمونه لعلاج الالتهابات.

ويقول المزارع طه بني جابر من القرية: "اليوم أصبح بعضٌ يتخذه تجارة، بسبب زيادة الطلب عليه لا سيما مرضى السرطان، إذ يقطفه الفلاحون ويجففونه ويبيعونه في الأسواق على مدار العام".

ويضيف بني جابر لـ"فلسطين": "كثير من المرضى في الأردن طلبوا مني إرسال أوراق اللوف المجفف إليهم، بعد وصفه لهم علاجًا للخلايا السرطانية".

ورغم المادة السامة الذي يحتويها اللوف يعد تراثًا طبيًّا إسلاميًّا استخدم وذكر في عدة كتب للعلماء المسلمين الأوائل مثل ابن سينا والزهراوي وداود الأنطاكي، علاجًا للعديد من الأمراض، أهمها الجلدية، والثعلبة، ولتنظيف الجهاز الهضمي، والأمعاء، ووقاية اللثة من الالتهابات، وغيرها الكثير من الاستخدامات التي كان أبرزها علاج مرض السرطان والوقاية منه.

ويؤكد العديد من اختصاصيي التغذية أن للوف فوائد مهمة وكثيرة لجسم الإنسان، فهو مع مذاقه اللذيذ يحتوي على الأملاح المعدنية، خاصة اليود المفيد للغدة الدرقية.

وهو غني بالحديد بكثرة، لذلك هو مفيد لمرضى فقر الدم، ويحتوي على الفيتامينات التي يحتاج لها الجسم البشري، وهو -حسب تأكيدات الباحثين والأطباء- مفيد في الوقاية من أمراض جلدية مثل التحسس والثعلبة، ووقاية اللثة من الالتهابات.

ويعد اللوف من أكثر الأعشاب والنباتات الطبيعية مقدرة على تنظيف الجهاز الهضمي والأمعاء، ويساعد كثيرًا أولئك الذين يعانون الإمساك.

وفي أحدث المعلومات الطبية عن اللوف هناك دراسات علمية تؤكد أهميته في الوقاية من السرطانات، وتجرى أبحاث عديدة على نبات اللوف وعلى جذوره وأوراقه لمعرفة المزيد من فوائده الطبية.

وتعد وجبة اللوف غذائية جيدة مع الخبز، أو تؤكل بالملعقة مقبّلًا غذائيًّا، ويفضل كثيرون تناوله على العشاء إذ يشعر من يتناوله براحة في معدته وينام دون أن يشعر بأي تخمة بسبب فوائد اللوف الكثيرة للجهاز الهضمي، ويميل بعضٌ إلى تناوله صباحًا.

 

المصدر / فلسطين اون لاين