اعتاد الخمسيني سعيد مطر منذ 45 عامًا ممارسةَ رياضة السباحة يومًا بعد آخر مهما كانت الأحوال الجوية.
يتجه مطر بعد أداء صلاة الفجر نحو المسطح المائي الأزرق في الجهة الغربية لقطاع غزة غاضًا طرفه عن برودة الجو الثقيلة التي تلقي بها أحوال كانون على الأجساد، وقد شجعه على ذلك العديد من العوامل.
يسكن مطر في مخيم الشاطئ المجاور لبحر غزة، ويترافق مع مجموعة شبابية من مختلف الأعمار للسباحة صيفًا وشتاءً.
يقول لصحيفة "فلسطين": "لا يمنعنا عن ممارستها إلا الشديد القوي، أي عندما تكون الأجواء البحرية خطيرة وقت المنخفضات الجوية الشديدة، وبالتالي يكون هناك ارتفاع كبير في الأمواج".
الدافع من وراء من تعلقه بهذه الرياضة هو طبيعة سكنه القريب من البحر، كما يوضح، ومهنة والده الذي في صيد السمك، فتعود على ممارستها على مدار العام وفي مختلف الفصول.
ويشير إلى أن جسده يتدرج تلقائيًا حسب درجة الحرارة الجوية من الصيف إلى الخريف والشتاء والربيع.
ويوضح مطر أن السباحة في "الأربعينية" ليس بالأمر الخطير كما يعتقد البعض، فلها فوائد قد لامسها، هذا إلى جانب أن الجو في فلسطين ليس باردًا مقارنة بدول أخرى.
ويضيف: "يكفي أنها تخفف من سوء الظروف النفسية والاجتماعية التي نعيش فيها، فالبحر هو المتنفس، وبخلاف أن السباحة رياضة مائية تنشط وتقوية جميع عضلات الجسم، فهي أيضًا تعمل على تحويل الطاقة السلبية إلى إيجابية، وتزيد من كفاءة عضلة القلب إذ تسمح بضخ الدم إلى الشرايين، وتزيد من المناعة".
و"الأربعينية" أو "المربعانية" كلمة فلسطينية يقصد بها أربعين يومًا من البرد القارس، تبدأ في 20 ديسمبر من كل عام وتستمر حتى نهاية شهر يناير.
الاعتياد سر الممارسة
وتتنوع الفئات العمرية المشاركة، من بينهم الشاب أكرم أبو عاصي، من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، إنه قرأ كثيرًا عن فوائد السباحة شتاءً، وكيف تنشط الدورة الدموية، وتجدي نفعًا على الصعيد البدني والنفسي، ليعكف على ممارستها منذ أربع سنوات قبل ذهابه إلى العمل.
وبناء على تجربته، ينفي ما يدعيه البعض بأن السباحة قد تسبب لممارسها في فصل الشتاء الإصابة بالإنفلونزا ونزلات البرد، "بل على العكس فهي من ساعدتني في التأقلم على الأجواء الجوية الصعبة".
ويقول أبو عاصي (34 عامًا): "أول دقائق من الدخول إلى السباحة تكون صعبة، ولكن سرعان ما يتأقلم جسدي، ومدة التمرين لا تتجاوز 20 دقيقة حتى لا أصاب بدوخة أو آلام في الرأس، وبعد الانتهاء منها أذهب إلى دوامي الوظيفي بكل نشاط وحيوية".
ومن بين الهواة شاركت الحكيمة أم ماجد سلامة (56 عامًا) برفقة زوجها، الذي علمها قبل عشرة أعوام السباحة.
وتوضح أن زوجها ناهز السبعين من عمره لكن ملامحه لا تظهر حقيقة عمره، وتعتقد أن مرد ذلك رياضة السباحة التي يمارسها منذ 50 عامًا.
وتضيف: "في البداية استخدمت الطوافة، ثم شيئًا فشيئًا أتقنْتُ السباحة وبتُّ قادرة على السباحة لمسافة بعيدة بمفردي من شدة حبي لتلك الرياضة التي تملأني بطاقة إيجابية كبيرة".
توقيت الفجر مثالي
ومن جهته، يتحدث مدرب السباحة ماهر أبو مرزوق عن وجود إقبال على ممارسة رياضة السباحة في فصل الشتاء، ويأمل أن تشهد هذه الظاهرة تصاعدًا خاصة على صعيد كبار السن والنساء.
ويلفت إلى الأسباب إلى أن الفجر هو أفضل الأوقات لممارسة السباحة شتاءً، حيث تحتفظ مياه البحر ببعض الحرارة بسبب حالة المد والجذر.
وعن ظروف البدء بتمرين السباحة، يؤكد أبو مرزوق أهمية تعديل درجة حرارة جسم مع المياه تدريجيًا حتى لا يصاب بصدمة عصبية نتيجة تباين حرارة الماء والجسم، مع الحرص على عدم تناول الطعام قبل السباحة والاقتصار على السكريات لتمد الجسم بالطاقة.
ويتابع: "ولابد قبل الدخول إلى البحر يتم عمل تمارين الإحماء، ثم الدخول بشكل تدريجي، كالبدء في الوضوء أو تبليل الأطراف لعمل معادلة في حرارة الجسم ولا يفقد طاقته".
فوائد ومحاذير
ويذكر موقع "ويب طب" فوائد السباحة في المياه البارد أن من شأنها أن تحسن الحالة النفسية، وتنشيط الجهاز العصبي الودي، ورفع مستويات النواقل العصبية مثل "النورأدرنالين" و"الإندورفينات"، والتي تسهم في تخفيف حدة الاكتئاب، وتحسين الحالة المزاجية ومقاومة التوتر والقلق.
ويبين الموقع أن السباحة بالماء البارد قد تعزز دفاعات الجسم المناعية، مما قد يقلل من احتمالية إصابتك بأمراض عديدة، مثل: الزكام، وأمراض القلب، وعلى تسريع وتيرة عمليات الأيض، قد تساعد على تحسين قدرة الجسم على مقاومة الإجهاد التأكسدي، وتقوية الدورة الدموية.
وعلى الرغم من هذه الفوائد، ينبه "ويب طب" إلى أن السباحة بالماء البارد لا تلائم الجميع، وقد يلحق الضرر بالبعض إن لم يتم أداء تمارين السباحة بطريقة صحيحة، كانخفاض حرارة الجسم، وصدمة الماء البارد، ومن المضاعفات الخطيرة فقدان الوعي، واضطرابات نظم القلب، والغرق.