بمجرد سماع أطفال أم سعيد المصري بدخول منخفض قطبي إلى فلسطين يصرون عليها لتطهو لهم طبق الملفوف الذي يمتاز بطعم لذيذ حاذق ويستطيع بسخونته أن يكسر أجواء برد كانون.
وتتنوع المائدة الفلسطينية بالعديد من الأطباق التي اعتادت الأسر الفلسطينية تناولها في فصل الشتاء، وتشمل: المفتول، وشوربة العدس، والحمَصيص، والمجدرة، والملفوف، والزهرة، والسبانخ، والمسخن، وغيرها من الوجبات التي يرتبط اسمها ببرودة الطقس.
وتلفت إلى أنّ موائدها تجمع الصغار قبل الكبار على الرغم من بساطة تكاليف تحضيرها ومكوناتها، وذلك لارتباطها بالتراث والأرض، والذكريات الجميلة في نفوس الفلسطينيين.
ومع هطول الأمطار وبداية مربعانية الشتاء، تذهب النساء إلى قطاف النباتات البرية التي تنمو على مياه الأمطار وتنتهي مع انتهاء الفصل، كالخبيزة، واللسان، واللوف، والزعمطوط.
وفي أجواء البرد الشديد، تحب المصري أن تصنع مقلوبة الزهرة (القرنبيط)، وتسمى "الرباعية" عند أهل الضفة الغربية، وتطهى بقطع اللحم أو الدجاج.
وتذكر أن ما يميز أطباق الشتاء أن بعضها مزيج من عدة خضراوات أو مزروعات كل واحد منها يعد في هذا الوقت طبقًا متفردًا، مشيرة إلى أن زوجها يحب تناول طبق البصارة في الأجواء الماطرة وهو يصنع من أوراق الملوخية المجففة والفول، ويقدم إلى جانبه المخللات، والجرجير، والفجل، والليمون.
وتبين أن بعضًا من أبناء الجيل الجديد يعكفون عن تناول تلك الأطباق بسبب تطورات الحياة التي حملت معها تغيرات في أشكال وأنواع الطعام، الأمر الذي يهدد في كثير من الأحيان مستقبل تلك الوجبات، التي يجب علينا كفلسطينيين تعزيزها، لكونها من بين الشواهد المهمة على تجذرنا بالتراث.
وتختلف أصناف الطعام الشتوي في فلسطين باختلاف أماكن السَّكن، ففي المناطق الريفية يكثر تحضير الوجبات التي يرتبط إعدادها بمكون العدس، على حين تميل المناطق الساحلية لتناول الأسماك المشوية والفسيخ خلال الشتاء، وذلك بسبب انتعاش موسم الصيد، وكثرة الأسماك في أوقات المنخفضات الجوية.
وتشتهر مدينة غزة، بأكلات السماقية والرمانية، التي يكثر إعدادها في فصل الشتاء وفي المناسبات السعيدة كذلك، كما تبين المصري، مشيرة كذلك إلى محشي أوراق الخس، واللفت والجزر الأحمر.
أطباق الضفة
للضفة الغربية أطباق تتربع على عرش مائدتها الشتوية، كما تبين آمال خضر من قرية بيتا جنوب شرق مدينة نابلس، مشيرة إلى أن للمدينة أطباقًا رئيسة في الشتاء مثل اللوف، واللسينة، والرتشف الزعمطوط، والخبيزة، وكلها نباتات برية تنمو في جبال البلدة، ومدينة نابلس.
وتقول خضر لـ"فلسطين": "أصنع طبق اللوف أكثر من مرة في فصل الشتاء، وكذلك الرتشف، والملسوعة وهي عبارة عن أرز وعدس، والمنسف وهي أكلات ورثناها عن جداتنا في الصغر".
وتضيف: "أطفالي يطلبون مني هذه الأكلات على الدوام، ففيها رائحة الماضي، وحنية الجدات ونفسهن الطيب، لها معانٍ داخلية".
وتعد "اللسنية" أحد أشهر أطباق القرية ويصنع من نبات اللسان البري الذي ينتشر في الجبال الفلسطينية، وتسميه بعض المناطق الفلسطينية بـ"لسان الثور"، كما توضح خضر.
ولا يقف الاهتمام بالأطعمة الشتوية في فلسطين، على جانب الوجبات الرئيسة، فالمطبخ التراثي الفلسطيني، يَعج بأنواعٍ مختلفة من الحلويات والمشروبات التي يزيد إعدادها في أوقات البرد، كالنمورة، والبسبوسة، والكنافة النابلسية، والحِلبة، والعوامة، والقطايف، وغيرها من الأنواع التي يزيد عددها على العشرين.
قيمة غذائية عالية
وإذ تبين اختصاصية التغذية ميرفت حماد، أن المطبخ الفلسطيني غني بالأكلات التي تشكل جزءًا من الهوية، فإن أطباق الشتاء تحمل قيمة غذائية عالية وغنية بفيتاميني (A) و(C) الضروريين لتقوية جهاز المناعة في فصل الشتاء.
تشير إلى الوجبات الفلسطينية الشتوية غنية بالعديد من المعادن كالحديد، والزنك، والكالسيوم، وكذلك البروتين البديل عن اللحوم. كما يدخل البصل والثوم كعنصر أساسي في الطهي بعض الأطباق، "وهما مهمان لصحة القلب، فهذه المغذيات والحلويات تحمي الجسد من الفيروسات والأمراض الكثيرة التي يمكن أن تصيبه بسبب تقلبات الجو".