مع استمرار جرائم المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تزداد المزاعم الإسرائيلية عن صعوبة وقف عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، لأنه مرتبط بالمنظومة الاحتلالية كلها، وكي يتوقف هذا العنف، فلا بد من إزالة الاحتلال بأسره عن الوجود، ما يعني أن عنف المستوطنين ضروري لاستمرار نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة.
مع أن الآونة الأخيرة باتت تشهد تصاعدا للعنف الذي يمارسه المستوطنون ضد الفلسطينيين، ما دفع عددا من المنظمات الحقوقية للشروع في حملة جديدة، ليست إدانة لهذه الظاهرة الدنيئة، أو محاولة معالجتها، فالأمر أكبر من ذلك بكثير، ولكن لإثبات حجم التواطؤ بين جيش الاحتلال وشرطته مع جرائم المستوطنين.
إن عنف المستوطنين في الفترة الحالية استمرار لأعمال العنف الروتينية ضد الفلسطينيين المستمرة منذ عقود، ويتمتع مرتكبوها بمستوى عالٍ من الحصانة وعدم الملاحقة القضائية، بل تعاون رجال الشرطة والقضاء معهم، والحقيقة أن النظرة لعنف المستوطنين على أنه منفصل عن الواقع الذي يحيونه بين الفلسطينيين تبقى قاصرة، فكل من يتابع العنف الذي يرتكبه المستوطنون، يرى أنه يخدم أجهزة الاحتلال السياسية والأمنية برمتها، فمن دونه لا يمكن توسيع مناطق الاستيطان إلى ما لا نهاية، وإنشاء المزيد من البؤر على التلال النائية، والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وطرد المزارعين منها.
في الوقت ذاته، فإن عنف المستوطنين ليس متمردًا على النظام الاحتلالي الإسرائيلي، بل جزء لا يتجزأ منه، ومن المشروع الاستيطاني برمته، وتتفهم قيادة المستوطنين ذلك جيدًا، ولذلك فإن حربهم تهدف لإقامة مئات البؤر الاستيطانية، وباستخدام العنف ضد الفلسطينيين أنفسهم، وهذه الطريقة مقبولة، بل ومرغوبة بالنسبة لهم، وفي اليوم التالي يمكنهم غسل أيديهم، والادعاء أن العنف يمارسه أفراد بعينهم، وليس سلوكا جماعيا يمثل عموم المستوطنين.
أكثر من ذلك، فإن المستوطنين ليسوا وحدهم المسؤولين عن العنف ضد الفلسطينيين، لأنه لم يكن من الممكن أن يحدث هذا الهيجان العنيف دون دعم الحكومة الإسرائيلية، وقبل كل شيء الجيش، الذي يوفر الحماية باستمرار لهم، لأن الجرأة على دخول القرى الفلسطينية في جوف الليل، وقطع أشجار الزيتون، ومهاجمة المزارعين في وضح النهار، تنبع من معرفة المجرمين الواضحة أنه في حالة تعقيد الأمور، سيكون هناك من ينقذهم، وهو جيش الاحتلال.
وبالتالي فإن التراخي والإهمال في التحقيق مع الجناة من المستوطنين ضد الفلسطينيين يثبتان أنه ليس في العقل الإسرائيلي نية لوقف هذا العنف، على العكس من ذلك، فإن الرسالة الموجهة للمهاجمين أنهم على الأرجح لن يحاسبوا على أفعالهم، وإن نتائج التحقيقات التي أجرتها الشرطة معروفة سلفا، ففي السنوات الثلاث والنصف الماضية فقط تم توثيق 540 حادثة عنف من المستوطنين، وأغلقت الشرطة 94٪ من الشكاوى، وانتهت دون توجيه اتهامات، ما يعني فشلا ذريعا لها.