تتزايد الاتهامات الإسرائيلية الموجهة إلى بيني غانتس وزير الحرب عقب لقاءاته الأخيرة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والملك الأردني عبد الله الثاني، بأنه أراد تحقيق مصالح شخصية وحزبية ذاتية، وليس سياسية تخص مصالح دولة الاحتلال، ولعله أراد اصطياد عصفورين بحجر واحد، أولهما تمهيد الطريق لعملية سياسية مع الفلسطينيين، وثانيهما تقديم نفسه بصفته زعيمًا لكتلة يسار الوسط في الساحة الإسرائيلية.
مع أن لقاء غانتس-عباس يعد علامة فارقة في معركة الأول لقيادة معسكر يسار الوسط، لأن اجتماعهما ما زال يشغل الإعلام الإسرائيلي، الذي تساءل عن سبب عدم بحثهما استئناف المفاوضات والعملية السياسية، واقتصار الحديث على التسهيلات الاقتصادية فقط.
ليس سراً أن كبار السياسيين والصحفيين الإسرائيليين سعوا لأن يكونوا في منزل غانتس، حيث عُقد اجتماعه مع عباس، دون مساعدين ومستشارين، دون التأكد من إبلاغ محتوى الاجتماع لرئيس الوزراء نفتالي بينيت، الذي تبدو مواقفه معروفة، وقد أوضح أنه بسبب التركيبة الحالية للائتلاف، تبدو استحالة خلق أفق سياسي، واستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية من النقطة التي توقفت فيها.
لقد جاء لقاء غانتس-عباس في غمرة الحديث الداخلي عن التناوب على رئاسة الحكومة بين بينيت ولابيد، ودليلًا جديدًا على أن السياسة الإسرائيلية مليئة بالاضطرابات، بعد أن رفض غانتس إغراءات نتنياهو، وهو يحاول وضع نفسه حارساً أمنياً وخليفة سياسياً لرابين.
التقدير الإسرائيلي السائد يتحدث أن غانتس يحاول تسويق صورة عباس في نظر الجمهور الإسرائيلي بصفته الشريك الفلسطيني للتسوية، في حين يرى كبار مسؤولي السلطة الفلسطينية أن اللقاء بالجنرالات وكبار العسكريين الإسرائيليين، حتى لو كانت أيديهم ملطخة بدماء الفلسطينيين، فإنهم يعتبرونه "لقاء الأبطال"، كما التقى رابين مع عرفات، بزعم أن السلطة الفلسطينية ترى في غانتس مفتاحاً سياسيا في النظام السياسي الإسرائيلي، وقادرا على تحقيق اختراق سياسي مع الفلسطينيين عندما يحين الوقت.
لا تتردد السلطة في القول بصوت علني إن غانتس بنظرها هو السياسي الذي يمكنه أن يصنع "سلام الشجعان" معها، ومن بين الكبار الثلاثة في الحكومة، يبدو أن غانتس الأنسب لها، وقد اجتمع مع عباس رغم علمه بأن اسمه يتصدر قائمة "مجرمي الحرب" الإسرائيليين الذين يطالب الفلسطينيون بمقاضاتهم أمام محكمة الجنايات في لاهاي، وهذا يعني أن السلطة قد توقف هذه الدعاوى القانونية، بسحب الالتماس المقدم لمحكمة العدل الدولية، إذا قدم الاحتلال إيماءات سياسية تجاهها.
الخلاصة أن لقاء عباس-غانتس ليس الوحيد بينهما، فالأول يعقد لقاءات شهرية في منزله برام الله مع رئيس جهاز الأمن العام- الشاباك، رغم أنهما يرفضان التقاط الصور معًا، في ضوء مواقف الجيش وأجهزة الأمن المتمثلة بدعم بقاء السلطة الفلسطينية، واستقرارها.