مثلت عملية اغتيال مؤسس حركة الجهاد الإسلامي د. فتحي الشقاقي محاولة احتلالية إسرائيلية للقضاء على الحركة كلها، خاصة أن توقيت الاغتيال جاء في توقيت حساس وفي ظرف مغاير تمامًا لأي ظروف أخرى على المستوى السياسي والتنظيمي لحركة الجهاد، وكذلك على مستوى القضية الفلسطينية، بعد اتفاق أوسلو سنة 1993م.
ولد الشقاقي في الرابع من كانون الثاني (يناير) 1951م، في مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، لأسرة هجرتها العصابات الصهيونية إبان النكبة من قرية زرنوقة (قرب يافا)، ونشأ في بيت محافظ، وكان والده عاملًا وإمام مسجد، وعمل طبيبًا للأطفال في قطاع غزة.
وبحسب إفادة الموقع الإلكتروني لسرايا القدس الجناح العسكري للجهاد أسس الشهيد الشقاقي ومجموعة من أصدقائه حركة الجهاد الإسلامي، أواخر السبعينيات.
وقاد الشقاقي حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وسجن في غزة سنة 1983 مدة 11 شهرًا، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986م، وحكم عليه بالسجن الفعلي مدة أربع سنوات وخمس سنوات مع وقف التنفيذ؛ لارتباطه بأنشطة عسكرية، والتأليب على الاحتلال الصهيوني، ونقل أسلحة إلى القطاع، بحسب ما يذكر الموقع نفسه.
ويضيف الموقع: "قبل انقضاء مدة سجنه أبعدت السلطات العسكرية الإسرائيلية الشقاقي من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين، في الأول من آب (أغسطس) 1988م، بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية".
تنقل بعدها الشقاقي بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة كفاحه ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى أن اغتاله جهاز (موساد) بمالطا في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1995م، وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق، وفق إفادة موقع "سرايا القدس".
ويقول مسئول المكتب الإعلامي "للجهاد الإسلامي" في فلسطين داود شهاب: "إن جريمة الاغتيال نفذت في خضم مشروع التسوية الذي فرض على الشعب الفلسطيني بعد اتفاق أوسلوسنة 1993م، وكان يهدف لتصفية المقاومة الفلسطينية مقدمة لتصفية وإنهاء القضية الفلسطينية".
ويضيف شهاب لصحيفة "فلسطين": "بينما كانت الحركة تعيد ترتيب وضعها التنظيمي طالها الاستهداف أوسع وأشد من ذي قبل، فطال قيادتها الاستهداف من أجهزة سلطة أوسلو".
ويبين أن موقف حركته الرافض بشدة لاتفاق أوسلو جعلها في حينه حتى اليوم في دائرة الاستهداف المباشر، فجاء اغتيال المؤسس الشقاقي ليشكل تحديًا كبيرًا أمام حركة الجهاد الإسلامي في "ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد داخليًّا وخارجيًّا".
كيف أعادت الحركة ترتيب صفوفها بعد الاغتيال؟، يرد شهاب بالقول: "في واقع الأمر لم يكن الأمر سهلًا ويسيرًا، لأن الاغتيال كان تحديًا كبيرًا أمام الحركة، ومثل اغتيال رأسها ومؤسسها وأمينها العام ضربة قاسية ومحاولة إسرائيلية لتصفية وإنهاء وجود الحركة".
ويكمل: "لكن حركة الجهاد استطاعت تجاوز تلك الظروف، فتولى المسؤولية الدكتور رمضان شلّح، فكان قرار مجلس شورى حركة الجهاد في ذلك الوقت بالإجماع أن يتولى الدكتور شلح المسؤولية أمينًا عامًّا للحركة خلفًا للدكتور فتحي الشقاقي".
تولى شلح المسؤولية، وباشر استكمال ترتيب وضع الحركة وفق الرؤية التي تشكلت عقب ما نتج على الأرض من مستجدات بعد اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، والضرورات التي تولدت أيضًا عقب اغتيال الشقاقي، خاصة أن خلفه في قيادة الحركة بات على لائحة الملاحقين والمطاردين مبكرًا جدًّا، بحسب ما يذكر شهاب.
ويقول: "استدعى كل ذلك الكثير من الإجراءات التنظيمية والإدارية، التي كان من أهدافها أيضًا استيعاب الضربة وتجاوز عواقبها، وأيضًا مواصلة العمل الجهادي وتثبيت دعائم الموقف السياسي والإطار الفكري للحركة، وتوسعت حركة الجهاد كثيرًا بعد اغتيال الشقاقي وانطلاق انتفاضة الأقصى، وهذا أيضًا فرض على قيادة الحركة آنذاك الكثير من الترتيبات والخطط والبرامج".
رؤية الشقاقي
ويبين شهاب أن الشقاقي رأى أن الخطر الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي ليس مقتصرًا على فلسطين، بل يمتد ليمثل تهديدًا كبيرًا للمنطقة العربية والإسلامية برمتها، ولهذا الحركة تتخذ مواقف صارمة في وجه أي محاولة لتطبيع العلاقات بين أي دولة عربية أو إسلامية والكيان الإسرائيلي.
وكان الشقاقي يرى -والكلام لشهاب- أن الصراع في فلسطين هو صراع حضاري شامل ومتعدد الدوائر، يحيط بكل المجالات والأبعاد الدينية والتاريخية والجغرافية والسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية للحياة.
ويكمل: "الجهاد ترى كذلك أن الصراع من أجل فلسطين هو صراع مع الاحتلال الجاثم على أرضنا، والمعادي لشعبنا وأمتنا، وليس صراعًا مع اليهود الذين هم خارج دائرة الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا ومقدساتنا".
وانتخبت حركة الجهاد الإسلامي الشهر الماضي زياد النخالة أمينًا عامًّا جديدًا خلفًا لرمضان شلح، في أول انتخابات داخلية تجريها منذ تأسيسها قبل ثلاثة عقود.