فلسطين أون لاين

تقرير عقب فشل الاحتلال.. هل تتولّى السلطة مهمة محاربة المقاومة في جنين؟

...
أجهزة السلطة بالضفة الغربية (أرشيف)
رام الله - غزة/ يحيى اليعقوبي:

لم تنفِ السلطة في رام الله أو تؤكد ما نشرته القناة العبرية الـ "14"، حول التوقيع على اتفاق مع الاحتلال الإسرائيلي لوقف العمليات العدوانية في مدينة جنين ومخيمها، مقابل إعطاء أجهزة أمن السلطة "فرصة لاستعادة السيطرة على المنطقة"، لكنّ استمرارها بملاحقة واعتقال مقاومين من بلدة جبع التابعة لمحافظة جنين، يثير تساؤلات حول الأهداف المحددة لهذه الإجراءات.

وقالت القناة العبرية: إنّ الاتفاق كشف عن حوار كان يدور وراء الكواليس بين السلطة والاحتلال، ويقضي بأن يُجمّد جيش الاحتلال أنشطته في المستقبل القريب، ووقف الهجمات الاستباقية، من أجل إعطاء السلطة وآلياتها الأمنية فرصة للتعامل مع المنطقة.

وعلى الرغم من معارضة جيش الاحتلال هذا الاتفاق في البداية، حسب ما أوردته القناة، فإنّ قيادة الاحتلال السياسية مرّرت أمرًا للجيش والشاباك والأجهزة المعنية، يقضي بوقف النشاطات وما تسمى "الهجمات الاستباقية" في منطقة جنين.

ويأتي ما نشرته القناة العبرية، في ضوء الحديث عن خطة إسرائيلية لتقوية السلطة، وتقديم تسهيلات اقتصادية لها، ودعمها عبر حزمة قرارات أقرها المجلس الوزاري المصغر لحكومة المستوطنين الفاشية بأغلبية ثمانية أعضاء، ومعارضة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، وامتناع عضو واحد عن التصويت.

جاءت هذه التطورات بعد عدوان على مخيم جنين شنه جيش الاحتلال في الثالث من يوليو/ تموز الجاري يومين، أدى لاستشهاد 12 فلسطينيًّا، وأعلن الاحتلال مقتل جندي وإصابة آخر بكمين نصبته المقاومة.

الخشية من الخسائر

ورأى الكاتب والمحلل السياسي، ثامر سباعنة، أنّ الاحتلال أدرك بعد العدوان الأخير على جنين أنّ المقاومة في المدينة ومخيمها قد وصلت إلى حد لا يمكن اجتثاثه أو وقفه بسهولة، وأنه سيتكبد خسائر كبيرة من جيشه في حال مواصلة العدوان، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال يُفضّل عدم الظهور كمنهزم، ويبحث عن طرق للتعامل مع المقاومة في تلك المنطقة بشكل يُحقّق مصالحه بدرجة أقل من الخسائر.

وقال سباعنة لصحيفة "فلسطين": "وجدنا تغييرًا مفاجئًا في سياسة الاحتلال بشأن جنين، فحوّل مهمة إنهاء المقاومة في المدينة إلى السلطة وأجهزتها الأمنية، مقابل التعهد بتقديم سلسلة تسهيلات"، معتقدًا أنّ الاحتلال يحاول بذلك تحويل الصراع بين المقاومة وأمن السلطة، عبر التوقف عن اقتحام جنين، وفقًا لما ذكرت تقارير عبرية.

وأضاف أنه إذا بدأت أجهزة أمن السلطة بتنفيذ ما يريده الاحتلال من استهداف للمقاومة، فإنّ ذلك سيؤدي إلى هدم آخر أسوار الثقة في العلاقة بين السلطة والشارع الفلسطيني، كما سيؤدي إلى تحويل مشروع السلطة السياسي إلى مشروع أمني يخدم الاحتلال فقط، إضافة إلى تأثيره على النسيج الاجتماعي في الضفة الغربية.

وبيّن أنّ ما يجري حاليًّا على أرض الواقع في جنين يعكس تحركًا واضحًا من أجهزة أمن السلطة في جنين، ولعلها بدأت بالفعل حملة ضد بلدة جبع جنوب جنين، والتي تعد المنطقة الثالثة بعد المخيم والمدينة من حيث المواجهة مع الاحتلال، مشيرًا إلى أنّ الحملة بدأت تحت ذريعة معاقبة حارقي مركز الشرطة في جبع، لكنّ ما يجري هو استهداف واضح لحركتي حماس والجهاد الإسلامي.

اقرأ أيضًا: السلطة تعتقل قياديَّيْن بالمقاومة في طوباس توجَّها لإسناد جنين

ويعتقد سباعنة أنّ السلطة لن تستطيع إنهاء المقاومة في جنين، كما لم يستطع الاحتلال من قبلها، لأنّ تركيبة جنين ومخيمها مختلفة عن باقي مدن الضفة الغربية، من حيث البعد التاريخي للمقاومة، إضافة إلى توفُّر رموز وطنية لا زال شباب المقاومة يفتخرون بها.

وبيّن أنّ جنين تحتوي على تركيبة من الفصائل والمكونات التنظيمية، مثل: كتائب القسام، وسرايا القدس، وأبناء فتح الرافضين لنهج السلطة، وهذا كله يُساهم في إبقاء حالة المقاومة حيّة، لافتًا إلى أنّ الاحتلال سيُعاود استهداف جنين، ولن يصبر كثيرًا على تنامي قوة المقاومة فيها.

تخفيف الضغط الدولي

ويتوافق المختص بالشأن الإسرائيلي، شادي ياسين، مع سابقه، بشأن محاولة الاحتلال نقل مسؤولية محاربة المقاومة إلى السلطة، وإعطائها فرصة للعودة إلى عملها في ملاحقة المقاومة داخل جنين ومخيمها.

وقال ياسين لصحيفة "فلسطين": إنّ الاحتلال يريد التخفيف من الضغط الممارس عليه من الإدارة الأمريكية وبعض الجهات العالمية، نتيجة جرائمه المتكررة خلال اقتحاماته لمناطق ومدن الضفة الغربية.

ولفت إلى أنّ الشعب الفلسطيني لن يسمح للاحتلال بتحقيق هدفه في إثارة الاقتتال الفلسطيني الداخلي في الضفة الغربية.

وأشار إلى وقوع أحداث كثيرة في الضفة أدّت إلى حالة احتقان كبيرة في الشارع الفلسطيني ضد أجهزة السلطة، خلال فض مظاهرات مناهضة للاحتلال، وأخرى تدعم مخيم جنين بالفترة الأخيرة، فضلًا عن مداهمة المنازل، لكنّ الشعب الفلسطيني لم يُوجّه البنادق ضد السلطة.

ورأى أنّ الاحتلال لن يتخلى عن سياسته في ملاحقة المقاومة لمنع تطوُّرها وتمدُّدها في شمال الضفة الغربية، وسيستمر باقتحام مدن الضفة مع منح "فرصة" للسلطة فيما يتعلق بجنين.

من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي، ساري عرابي، أنّ إثارة الإعلام العبري للموضوع، يعكس أنّ الاحتلال يُعاني مشكلة في التعامل مع مخيم جنين، وفشله في التعامل مع المقاومة، إذ يسعى إلى تحويل السلطة لمجرد وكيل أمني يعمل لمصلحته.

وقال عرابي لصحيفة "فلسطين": إنّ الاحتلال بقدراته الأمنية والعسكرية وتفوُّقه التقني والتسليحي لم يتمكن من تفكيك حالة المقاومة في المخيم، وهو يريد تصدير فشله للسلطة ودفعها لمواجهة الشعب الفلسطيني، وخلق مشكلة فلسطينية داخلية وتفكيك حالة المقاومة بالمخيم باستخدام أدوات فلسطينية.

ولفت إلى أنّ الاحتلال ليس معنيًّا بإعطاء السلطة صلاحيات أمنية ذات قيمة خاصة بمناطق "أ"، لأنه منذ عام 2002 يقتحم هذه المناطق ويُنفّذ جرائم اعتقال وقتل، ويحدث ذلك أيضًا في المدن الفلسطينية الأخرى.