تحوَّل فتحي خازم الضابط السابق في جهاز الأمن الوطني التابع للسلطة، ويسكن مخيم جنين في شمالي الضفة الغربية، إلى أيقونة وطنية تشهد التفافًا شعبيًّا وجماهيريًّا حولها بسبب مواقفها المؤيدة للمقاومة التي تجلَّت باستشهاد اثنين من أبنائه بنيران جيش الاحتلال، في حالة أمنية لا تتجاوب على الإطلاق مع تطلعات السلطة وسياستها.
والأربعاء الماضي، ودع خازم، المكنى "أبو الرعد"، نجله عبد الرحمن، ثاني ابنٍ له يقضي بنيران جيش الاحتلال، الأول بعد عملية فدائية داخل الأراضي المحتلة سنة 48، والثاني خلال عملية نفذتها قوات خاصة من جيش الاحتلال في مخيم جنين.
وبدا أبو الرعد أنه يتمتع بحالة من الصمود والقوة وهو يحكي هذه الكلمات خلال وداع عبد الرحمن: "هدموا بيوتنا ولم يهدموا عزيمتنا وإرادتنا، قتلوا أبنائي وهم ليسوا بقتلى بل شهداء".
ولم يذرف أبو الرعد دمعة واحدة وهو يودع عبد الرحمن بعد أشهر قليلة من استشهاد نجله البكر رعد.
لقد نعى عبد الرحمن بكلمات خرجت من سويداء قلبه، في مشهد يتكرر للمرة الثانية مع هذا الرجل الذي فقد من قبله رعد؛ منفذ العملية الفدائية في مدينة "تل أبيب".
وأفضت حينها العملية إلى مقتل 3 مستوطنين إسرائيليين وإصابة 16 آخرين، في شارع "ديزنغوف"، أحد أهم الشوارع الرئيسة في "تل أبيب"، يوم 7 إبريل/ نيسان الماضي.
وبعد ساعات وصلت قوات الاحتلال إلى منفذها رعد (29 عامًا) في مدينة يافا، شمالي فلسطين المحتلة.
وعندها خرج فتحي خازم والد الشهيد، ونعى نجله، وبارك العملية، الأمر الذي أثار غضب وحنق حكومة الاحتلال وجيشها الذي يلاحقه منذ ذلك الحين، وجعله أحد أبرز المطلوبين.
اقرأ أيضا: رسائل جديدة من فتحي خازم للمقاومة في غزة
وخازم أسير محرر من سجون الاحتلال، إذ إنه تعرض للملاحقة الأمنية بسبب نشاطه المقاوم للاحتلال في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وبحلول انتفاضة الحجارة 1987، برز نشاطه أكثر واعتقل على إثر ذلك 5 سنوات في السجون، كما يفيد أمين خازم شقيق أبي الرعد، لصحيفة "فلسطين".
وأضاف أمين، وهو أسير محرر أيضًا: عندما تحرر أبو الرعد من قيد السجون، عمل في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في عقد التسعينيات، وتحديدًا في جهاز الأمن الوطني".
وتابع أنه وبعد سنوات طويلة من العمل، وخلافات عديدة مع قيادة جهاز الأمن الوطني وشخصيات في السلطة، بسبب نهج الأخيرة في إدارتها لشؤون الضفة الغربية والتنسيق الأمني، فضَّل التوقف عن العمل والتقاعد قبل ما يزيد على 5 سنوات.
وخازم لديه 5 من الأنباء، كان الشهيد رعد أكبر، ويتلوه الشهيد عبد الرحمن، وتبقى بعد رحيلهما 3 أبناء، عبيدة (22 عامًا)، وهمام (18 عامًا)، وآدم (3 أعوام)، و3 شقيقات متزوجات، إحداهن في مدينة الخليل، جنوبي الضفة، واثنتان في قلقيلية، شمالاً.
وذكر أمين خازم، أن شقيقه أبي الرعد، يزرع في أبنائه حب الجهاد والمقاومة منذ الصغر.
وعمّت حالة من الإضراب مدن جنين والقدس ورام الله ونابلس، وغيرها في الضفة الغربية، بعد جريمة جيش الاحتلال التي أدت إلى استشهاد 4 مقاومين، بينهم الشهيد أحمد علاونة، من مرتبات جهاز الاستخبارات في السلطة، الذي قضى برصاص قناص إسرائيلي أصابت رأسه وأردته شهيدًا على الفور.
وفي الآونة الأخيرة، برز منفذو عمليات فدائية يعلمون في أجهزة أمن السلطة، أو يعمل آباؤهم ضباطًا بهذه الأجهزة، في مشهد يعكس بلا أدنى شك تحطيم النظرية والعقيدة الأمنية التي أسسها الضابط الأمريكي كيث دايتون، قبل أكثر من عقد ونصف من الزمن لتشكيل حمايةً أمنية للاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين.
ويؤكد الباحث السياسي مجدي حمايل، أن والد الشهيديْن رعد وعبد الرحمن، أصبح يشكل أيقونة وطنية بسبب تأييده العمل المقاوم للاحتلال ودفاعه عنه، مضيفًا أن هذا الرجل أصبح يمثل المقاومة في الضفة الغربية بدلالة التفاف الشارع حوله.
وأضاف لصحيفة "فلسطين"، أن "أبا الرعد، صنع من نفسه قائدًا في ظروف خاصة، ولم يصنعه أو يوصله أحد كي يكون رمزًا للوطنية والمقاومة، لقد وصل بالتفاف الجماهير حول مواقفه المشرفة التي تعبر عن كل فلسطيني".
وعدَّ أنه يمثل حالة الصمود والإصرار والعناد لدى جميع المواطنين بالضفة الغربية في مواجهة الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، ولقد أصبح رمزًا ومثالاً لكل فلسطيني شريف.
ونبَّه إلى حاجة الضفة إلى انتشار ثقافة المقاومة، التي تتمثل بأبي الرعد ومن يشارك في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، في وقت أصبح فيه من ينبذ المقاومة مرفوضًا ومطرودًا من الشعب الفلسطيني.
وتابع: إن أي ثقافة لا تنتمي لفلسطين سوف تذوب في النهاية وتنتهي، وسيطردها الشعب الفلسطيني.
وكان رئيس السلطة محمود عباس، وصف المقاومة بـ"العنف والإرهاب"، خلال خطابه الأخير في الأمم المتحدة قبل أيام، الأمر الذي أثار سلسلة ردود فعل مناوئة لهذا الوصف.