أكد سياسيون أن سلوك دول العالم التصويتي لصالح القضية الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، شهد تراجعًا لافتًا، بسبب ضعف الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية، وتطبيع دول عربية مع الاحتلال الإسرائيلي وتطوير علاقاتها معه.
وأوصى هؤلاء خلال يوم دراسي، بعنوان "السلوك التصويتي في الأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية"، نظمه مجلس العلاقات الدولية -فلسطين، أمس، بضرورة بناء إستراتيجية وطنية تقوم على تدويل الصراع بشكل يضمن تفعيل كل الآليات الدولية.
تراجع منهجي
وأكد رئيس مجلس العلاقات الدولية- فلسطين، د. باسم نعيم، أن المجلس حرص على المساهمة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والعدالة والاستقلال، بكل السبل السياسية والدبلوماسية، ومساعدة القرار الفلسطيني في توجيه البوصلة بالاتجاه الصحيح.
وقال نعيم في كلمته: إن "القضية الفلسطينية منذ نشأتها هي قضية دولية بامتياز، ولعب فيها العنصر الدولي دورًا مركزيًا أكثر من أي قضية أخرى في العالم".
ولفت إلى أن الاحتلال اعتمد على بقائه، على الدعم الدولي بشتى أنواعه، وهو يقدم نفسه ممثلًا للغرب في الشرق، ولولا هذا الدعم غير المشروط لما تمكن من البقاء.
وبين أن نسبة التصويت لصالح القضية الفلسطينية في المؤسسات الأممية تراجعت بشكل منهجي ومستمر، وهي محصلة سنوات من تراجع الدبلوماسية الفلسطينية، والعربية، وجهود بذلها الاحتلال على مدار عقود لتسهيل نفسه دوليًا.
ودعا نعيم إلى تبني استراتيجية، أولى خطواتها إعادة النظر فورا فيما يسمى اتفاقية "أوسلو" وما ترتب عليها من كارثة على المستوى الإقليمي والدولي وإمكانية محاصرة الكيان وعزله، عادًا أن "أوسلو فتحت المجال واسعا لشرعنة الكيان قبل إنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية وعودة اللاجئين".
صراع دولي
بدوره، تطرق وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق د. ناصر القدوة، إلى أهمية المؤسسات الأممية والدولية وكيفية الاستفادة منها لصالح القضية الفلسطينية، مستعرضا كيف تغير السلوك التصويتي فيها بالسلب خاصة خلال السنوات الأخيرة الماضية.
وقال القدوة في كلمته، إن صراعنا مع الاحتلال "صراع دولي بامتياز" منذ لحظاته الأولى، مشددا على أهمية العمل الدولي والقانون الدولي وأنه يجب التركيز عليه.
ورفض القدوة، خطوات السلطة بالانضمام بشكل جمعي للاتفاقيات والمؤسسات الدولية، مبينا أن ذلك لا يساهم في إنشاء دولة "إذ لا بد من أن يكون هناك آلية جدية لدراسة هذه الاتفاقيات والمواءمة مع القانون المحلي وليس فقط الانضمام دون أن يقرأها أحد أو تمر بأي عملية دستورية جدية".
وقال إن "العالم تغير، والدور الأيديولوجي تقلص لصالح المصالح الاقتصادية ثم السياسية"، لافتا إلى انحدار السلوك لصالح القضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية.
وأضاف: "مؤخرا تدمر نموذج التصويت الذي كان لصالح فلسطين، بغض النظر عن الادعاءات والانتصارات التي نسمعها من خلال بعض الأبواق"، لافتا إلى أن هناك دول كانت تقف مع الشعب الفلسطيني لكنها أصبحت تمتنع أو تصوت ضد.
أما المقرر الخاص الأسبق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة جون دوغارد، فتطرق في كلمته، إلى مواقف الأمناء العامين للأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، مبينًا أن الأمين العام يمتلك صلاحيات للقيام بدور تنفيذي، لكن قد يكون الأمين العام يخشى من فعل شيء ربما يغضب الولايات المتحدة الأمريكية.
ولفت دوغارد إلى أن المشكلة ليست في مجلس الأمن إنما في أعضائه الذين يقومون بحجب أي قرارات تتعارض مع (إسرائيل) وإضعاف دور الأمم المتحدة. وتابع إن "المشكلة في الدول الأعضاء التي تمتلك حق النقض "الفيتو"، وأن الولايات المتحدة هي الفاعل الرئيس والتي استخدمت 50 فيتو لمنع قرارات حاسمة بالنسبة لـ(إسرائيل)".
وذكر أن مجلس الأمن شكل الرباعية الدولية من أجل التأثير على التسوية في الشرق الأوسط خاصة في فلسطين، لكن هذا الجسم لم يكن قادرا على العمل بسبب الولايات المتحدة وإصرارها السيطرة عليه.
العامل الداخلي
من جانبه، قال رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، صلاح عبد العاطي، إن "الصراع مع العدو الاسرائيلي لم يكن يدور على قاعدة حق أو باطل إنما موازين قوى وأنظمة قائمة في العالم".
وأوضح في كلمته، أن الأمم المتحدة وكالة مهمة على المستوى العالمي وقدمت خدمات جيدة منذ نشأتها ولا تزال، لكن الشعوب المقهورة ملاحظاتها على مجلس الأمن الذي يحتكم فيه العلاقات الدولية والمصالح والسياسة أكثر من احتكامها لمنطق القانون والعدالة.
ولفت إلى غياب الاستراتيجية الوطنية، مبينا أن "العاملين في وزارة الخارجية الفلسطينية غير مطلعين ولا معلومات لديهم عن طرق المتابعة في هذا المجال".
من جهتها، قدمت الباحثة في العلوم السياسية وحقوق الإنسان غدير أبو مدين "دراسة حالة- دول أمريكا اللاتينية"، حيث ركزت في حديثها على السلوك التصويتي لدول أمريكا اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقالت أبو مدين إن "دول أمريكا اللاتينية تعتبر تاريخيا حليفا قويا للفلسطينيين وتربطها علاقات دبلوماسية جيدة واتسم تصويتها في الجمعية العامة تجاه القضية الفلسطينية بالإيجابية".
ووفق الباحثة، فإن تواجد كبير للفلسطينيين في دول أمريكا اللاتينية كان أحد أسباب التصويت الإيجابي إلى جانب وجود حكومات يسارية في تلك الدول مناهضة للإمبريالية التي تدعم حق تقرير المصير للفلسطينيين.
واستعرض رئيس مركز الدراسات الإفريقية والشرق أوسطية -جنوب إفريقيا- د. نعيم جينا، تفاصيل "دراسة حالة- دول إفريقيا"، موضحا أن (إسرائيل) تتحرك بشكل نشط في القارة الأفريقية بهدف كسب أصواتها وتأييدها في المحافل الدولية.
وتحدث جينا عن تاريخ علاقات الدول الأفريقية مع الشعب الفلسطيني ومحاولات (إسرائيل) للتغلغل فيها منذ عقود، لافتا إلى أن (إسرائيل) عملت علاقات مع بعض الأحزاب والدول في أفريقيا خلال السنوات الماضية، حتى لو لم يكن لها علاقات دبلوماسية معها.
هجوم إسرائيلي
من جانبه، أكد نائب مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حمدي شقورة، أن نزع الشرعية عن الحقوق الفلسطينية، هو أمر متأصل في المشروع الصهيوني قبل قيام دولة (إسرائيل) التي قامت على أساس إحلالي للسيطرة على الأرض والتطهير العرقي ولا ترى أي وجود للشعب الفلسطيني".
وأضاف أنه "بعد النكبة وما رافقها من تطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني حتى بعد احتلال ما تبقى من فلسطين التاريخية وحتى الآن ارتكزت (إسرائيل) على مبدأ تفتيت الجغرافيا والهوية الوطنية الفلسطينية عبر سياسات وقوانين وأنظمة".
من جانبه، تطرق وكيل وزارة التنمية الاجتماعية د. غازي حمد، إلى أثر التطبيع العربي على التصويت لصالح القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أن (إسرائيل) وضعت جهدا كثيرا في تغيير صورتها الإجرامية، ففضلا عن علاقاتها المتينة والاستراتيجية بالغرب كان لها علاقات مع روسيا ودول في أفريقيا".
وقال حمد في كلمته إن "اتفاقية أوسلو كسرت الحاجز وسوقت أن (إسرائيل) دولة سلام ومعنية بحقوق الشعب الفلسطيني وذاهبة باتجاه تسوية سياسية، ما أدى لغسيل دماغ لكثير من الدول العربية".