يحاول رئيس السلطة محمود عباس وضع اللمسات الأخيرة على موضوع خلافته بحيث يكون حسين الشيخ الملقب بـ"عرّاب التنسيق الأمني"، الذي يحظى بقبولٍ إسرائيليٍ خليفته، بترشيحه أمينَ سرٍ للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اجتماع المجلس المركزي القادم، لكنّ ذلك يعني تعميق الأزمات وتأجيلها، سواءً داخل فتح أو على مستوى النظام السياسي الفلسطيني، وفق ما يرى مراقبون.
وفي المدة الأخيرة زاد التركيز الإسرائيلي على شخصية حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وزير الشؤون المدنية، الذي رشّحته الحركة أخيرًا لعضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير خلفا لصائب عريقات، وقد سبق له أن زار في المدة الأخيرة وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، ووزير الخارجية يائير لابيد.
ويقول المستشرق الإسرائيلي جاكي خوجي في مقال نشره بصحيفة "معاريف"، إنّ "الشيخ حظِيَ بتقريب أبي مازن له، ووضعه في الجزء العلوي من القيادة، وبات واحدا من اثنين من أهم مساعديه، ومن وجهة النظر الإسرائيلية فإنّ الشيخ يُظهرُ مواقفَ سياسية معتدلة، لكنه يكره حركة حماس".
لكن الصورة ليست بهذه البساطة لما يريدها عباس، فهناك ثلاثة تيارات قوية غير متوافقة، التيار الأول يجمع عضوي اللجنة المركزية لفتح جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي، يقابله تحالف مدير مخابرات السلطة ماجد فرج، ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ ومعهما رئيس حكومة رام الله الحالية محمد اشتية، إضافة إلى "التيار الإصلاحي" الذي يقوده محمد دحلان خصم عباس اللدود، وهناك تيارات أخرى غير معروفة حتى اللحظة وفق ما يرى مراقبون.
الجانب الآخر من الصورة أنّ هذه الشخصيات سواء التي يريدها عباس داخل فتح لخلافته أو غيرها في المحاور وإن كان الصراع بينها وشيكا، لا تحظى بقبولٍ شعبيٍ فلسطينيٍ في ظلِّ مسارها ونهجها السياسيِّ الذي لم يحقق تطلعات الشارع الفلسطيني على مدار 25 سنة بحسب مراقبين.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أنه يُراد من الترتيبات الأخيرة، تعيين حسين الشيخ أمين سر للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومن ثم يصبح الرجل الثاني في المنظمة وهو المنصب ذاته الذي شغله عباس في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات حتى يصبح خليفة لعباس في حال غيابه.
لكنّ عوكل يرى في حديثه لموقع "فلسطين أون لاين" أنّ "موضوع الخلافة في المنظمة وحركة فتح والسلطة أعقد بكثير من أن يتمّ عبر هذا الإجراء البسيط الذي وافقته عليه اللجنة المركزية لفتح ويسعى عباس لتمريره باجتماع المركزي، فموضوع رئاسة المنظمة والسلطة وفتح كبير ولا يمكن معالجته بهذه البساطة حتى وإن كان البعض يحلم بأنّ القصة حُلّت وانتهت".
ويقول إنّ "موضوع رئاسة السلطة لا يخصّ فتح وحدها بل يتعلق بحق الشعب الفلسطيني في اختيار من يُمثّله، بالتالي لا أعتقد أنّنا أمام حلٍّ مُتَّفقٍ عليه في حال شغور منصب رئيس السلطة كما أنّ هناك قيادات بفتح نفسها ترى أنها أحقُّ بتسلّم المقعد".
ويُشيرُ عوكل إلى أنّ قانون المنظمة ينصُّ على تعيين أمين السر رئيسا لها في حال شغور منصب الرئيس، وبالتالي تصبح الترتيبات التي سيمررُها عباس في اجتماع المركزيِّ القادم نافذة، مُستدركا: "لكنّ ذلك سيؤججُ الوضع داخل فتح نفسها لاحقا".
من جانبه، يُفسّر الناشط السياسي زياد عمرو "سبب تفضيل عباس لمحور (فرج والشيخ) على حساب المحاور الأخرى نظرا إلى أنّ الشخصيتين تحظيان بقبولٍ إسرائيلي وهما معروفان بالتنسيق الأمني مع الاحتلال ويسيران على نهج عباس، وهذا يؤسسُ باتجاه السيطرة الأمنيّة على الشارع الذي بدأ يقول كلمته ويُعبّر عن مواقفه في رفض الإقصاء والتغوُّل وكلّ أشكال الفساد الذي تمارسه السلطة، بحيث يصبحُ فرج والشيخ ضُبّاطَ أمنٍ عند الاحتلال".
ويرى عمرو وهو مرشّح في الانتخابات التشريعية عن قائمة "طفح الكيل" في حديثه لموقع "فلسطين أون لاين" أنّ "قرارات عباس التي يسعى لتمريرها في المجلس المركزي تُصادر حق الشعب الفلسطيني بانتخاب القيادة التي تُمثّله، وهي تكشف عن النهج الإقصائي والتفرُّدي ورفض الشراكة الذي يقوده عباس خاصة مع استفحال الفساد في مؤسسات السلطة التي هي أولى من عباس ترتيبها بدلاً من ترتيب تدوير المناسب".
بدوره يُقرُّ الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف بأنّ هناك "تنافسا وصراعا بين أوساطٍ مختلفةٍ من حركة فتح باتجاه من سَيَرثُ عباس ويتمّ تداولُ أسماء عدة لمن سيملأ هذا الموقع"، لافتا إلى أنّ "للاحتلال دورًا في هذه الترتيبات".
ويقول عساف لموقع "فلسطين أون لاين" إنّ عباس "يحاول تقوية محورٍ على حساب آخر حتى يتمّ دعمه إقليميا ودوليا، لكنّ المشهد الذي يحاول عباس ترتيبه خلال وجوده لن يكون كذلك بعد رحيله، فكلّ الاحتمالات مفتوحة حول حجم وطبيعة الصراع الذي سيحدث على كرسي الرئاسة وليس كما يُتوقع من خلال الترتيبات التي سيقوم بتمريرها في اجتماع المركزي".
ويعتقد عساف أنّ حجم التدخل الإقليميّ والإسرائيليّ والدعم الأمريكي عوامل مؤثرة في تلك الترتيبات التي يحاول عباس من خلالها إيجاد حلٍّ على طريقته لرسم مسار القضية الفلسطينية خلال المرحلة المقبلة بترجيح كفة محورٍ على حساب آخر، لكنّ هذا الأمر "ليس سهلا فالمؤسسات الفلسطينية ليست ملكا لفتح وهناك إرادة شعبية وفصائل وازنة ستكون لها كلمتها".
ويُلفتُ عسّاف إلى أنه قبل فترة سطع نجم جبريل الرجوب حينما قاد حوارات ثنائية مع حماس لبحث المصالح، لكن يبدو أنّ هذا النهج ليس هو المفضّل عند عباس، وبالتالي يتجه لتعزيز "النهج الإقصائي من خلال تقديم الشيخ وفرج".