تتشابه الأيام، وتتقاطع الأحداث، فمن خسارة الجمهوريين الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2008م، وخلال الفترة الانتقالية ومع انشغال العالم بأعياد الميلاد ذهب رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق إيهود أولمرت الذي كان يعاني من قضايا داخلية إلى العدوان على غزة، فهل يا ترى يكرر التاريخ نفسه؟ نتمنى أن يبعد شبح العدوان عن شعبنا وأن ننجح في تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا بأقل الخسائر.
13 عاما مرت على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عامي 2008-2009م، كيف كانت البيئة السياسية ما قبل العدوان؟ وما أبرز محطات العدوان؟ وما نتائج تلك العدوان.
أولاً: البيئة السياسية ما قبل العدوان.
تهدئة برعاية مصرية تهدف إلى كسر الحصار، مدتها ستة أشهر لم تلتزمها (إسرائيل) وقامت بتوجيه ضربة للمقاومة أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين من كتائب القسام، وردت المقاومة على هذه الجريمة، وتدخلت مصر وأعلنت العودة إلى التهدئة صباح يوم الخميس 25/12/2008م أي قبل العدوان بيومين.
(إسرائيل) تعمدت الخداع، حيث أعلنت حكومة إيهود أولمرت يوم الجمعة 26 ديسمبر 2008 عن مهلة 48 ساعة لوقف إطلاق الصواريخ، مهددةً حركة حماس بعملية عسكرية واسعة في حال عدم الاستجابة، وجاءت هذه العملية خلال أقل من 24 ساعة من منح مهلة الـ 48 ساعة. ولم يقتصر الخداع على الإعلان الرسمي بل قامت بفتح المعابر وأدخلت 428 ألف لتر من الغاز الصناعي ونحو 75 طنًا من غاز الطبخ بالإضافة إلى 105 شاحنات إغاثة قبل يوم واحد من العدوان، وهو ما ساهم في عودة الحياة في غزة إلى طبيعتها من حيث دوام الموظفين، وعاد أفراد الأجهزة الأمنية إلى دوراتهم التدريبية ومقارهم، وفي صباح يوم السبت 27/12/2008م بدأ العدوان.
ثانياً: العدوان على غزة، معركة الفرقان.
شنت الطائرات الحربية الصهيونية غاراتها في وضح النهار تقريبا الساعة الحادية عشرة صباحا موعد مغادرة الطلاب لمدارسهم واستهدفت في دقيقة واحدة معظم المقار العسكرية والشرطية والأمنية ضمن منطق الصدمة والردع، وقتلت المئات من أفراد الأجهزة الأمنية والشرطية في الساعة الأولى من العدوان، ففي اليوم الأول من الحرب وحده تم استهداف 80 مقرا أمنيا ما أدى لارتقاء 271 شهيداً و750 جريحاً. وعليه يمكن تقييم هذه الحرب بأنها حرب استئصالية للمقاومة الفلسطينية، حيث راهنت (إسرائيل) على انهيار القطاع وحركة حماس التي تحكمه بعد الضربة الأولى، ولكن فشلت التقديرات الإسرائيلية، وأثبتت المقاومة أنها فكرة والفكرة لا تموت.
أسفرت حرب الفرقان عن استشهاد 1417 فلسطينيًا على الأقل (من بينهم 926 مدنيًا و412 طفلًا و111 امرأة) وإصابة 4336 آخرين، بالإضافة الى استهداف منازل سكنية وجامعات ومستشفيات الخ…
في المقابل كانت الخسائر الإسرائيلية حسب اعتراف الاحتلال مقتل 10 جنود إسرائيليين و3 مدنيين وإصابة 400 آخرين أغلبهم مدنيين أصيبوا بالهلع، وليست إصابات جسدية حسب اعتراف جيش الاحتلال الإسرائيلي، لكن المقاومة أكّدت أنها قتلت قرابة 100 جندي.
استخدمت (إسرائيل) في هذه الحرب سلاحا محرما دوليا، وهو الفوسفور الأبيض، وعندما نذكر هذا السلاح نتذكر مجازر عديدة أهمها مجزرة مدرسة الفاخورة في مخيم جباليا التابع للأونروا، ومجازر أخرى قضت على عائلات بأكملها.
عملت المقاومة في هذه الحرب بحنكة في امتصاص الضربة الأولى ونتائجها وأثرها النفسي، وأطلقت خلال عملياتها حربًا نفسية مقابلة تهدف الى رفع معنويات شعبنا وضرب معنويات العدو مثل: عملية توسيع رقعة الزيت أي القصف لمديات أبعد.
ثالثاً: نتائج معركة المفرقان.
لكن لا يمكن فهم نتائج حرب الفرقان وأداء المقاومة بمعزل عن تطور الأداء في حربي حجارة السجيل، والعصف المأكول، والتحولات الاستراتيجية التي حصلت والتي ذكرتها في مقال سابق بعنوان: “العصف المأكول وحجم التحول في قدرات المقاومة”، ولكن في سياق توثيق نتائج حرب الفرقان وردود الأفعال التي حصلت، حيث لم يفلح النظام الإقليمي العربي طوال مدة الحرب (23 يومًا) من عقد قمة عربية يحضرها الجميع، فبعد طول عناء نجحت قطر في عقد مؤتمر قمة عربي حضرته 12 دولة عربية فقط ولم يحضر الرئيس الفلسطيني عباس هذا المؤتمر ومثل فلسطين السيد خالد مشعل.
وبعد انتهاء الحرب عقدت القاهرة على أراضيها مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار قطاع غزة، بينما ذهب مجلس حقوق الإنسان إلى إصدار تقريره الشهير الذي يدين جرائم (إسرائيل) ضد الإنسانية وهو تقرير جولدستون.
زال غبار الحرب، وذهب تقرير جولدستون أدراج الرياح، ولم يحاكم أحد من الاحتلال، وبقي الألم يعتصر قلوب الفلسطينيين، بينما أعلنت القاهرة عن تهدئة جديدة ساهمت في وقف القتال.