فلسطين أون لاين

تقرير "خزائن".. حكايا 100 ألف وثيقة منذ القرن الـ19

...
القدس-غزة/ مريم الشوبكي:

 

شباب جمعهم الشغف بجمع التاريخ الاجتماعي، ليُشكِّلوا فريقاً تطوعياً عربياً ودولياً، وجد في "خزائن" حي "الشيخ جراح" المقدسي المهدد بالتهجير، المكانَ الأمثل لحفظ الوثائق التاريخية التي أصبحت بحوزته، وتعود غالبيتها إلى القرن التاسع عشر الميلادي.

حراك شبابي

في مؤسسة خزائن التي تحتضنها مدينة القدس المحتلة، لكل قصاصة ورق حكاية، فهي تحمل جزءاً كبيراً من تفاصيل حياة الفلسطينيين اليومية، ووصل عددها قرابة 100 ألف وثيقة وُضعت بعناية في ملفات مضادة للأكسدة داخل خزائن لحمايتها من التلف.

ويبين مدير مؤسسة خزائن حاتم الطحان أن تاريخ إنشاء المؤسسة يعود إلى عام 2016م، وهي نتاج حراك شبابي فردي لأشخاص مهتمين بالتاريخ الاجتماعي، والأرشفة، ومدى أهميتهما في حفظ التاريخ الفلسطيني، والذاكرة الجماعية وتفاصيل حياتنا اليومية.

ويوضح الطحان لـ"فلسطين" أنه مع تراكم المواد الأرشيفية التي جمعها الفريق، أصبح الأمر ملحا للتحول إلى مؤسسة، لأن تلك الوثائق أضحت "أمانة" في أيدي المتطوعين.

وتهتم خزائن -وهي التجربة العربية الأولى- بجمع "الأفيميرا"، وهي مواد قصيرة كالمطويات والإعلانات التجارية والثقافية، ومنشورات المؤسسات، والجمعيات، والأحزاب، ودعوات الأفراح، والمذكرات، وكل ما لا يقع ضمن اهتمام الأرشيفات الرسمية.

ويشير الطحان إلى أن "الافيميرا" تحمل جزءاً كبيراً من تفاصيل الحياة اليومية، ولا يوجد مؤسسة تهتم بالاحتفاظ بها، وتوفيرها للباحثين باعتبارها تاريخاً وطنياً.

ويقول: "لا ننظر للزمن على أنه أداة وحيدة لحفظ المواد، بل نحفظ الماضي للحاضر، ونحفظ الحاضر للمستقبل، فهدفنا أن نكون مؤسسة مجتمعية قريبة من الناس.

ما خلف الوثائق

ويرجع الطحان سبب تسمية المؤسسة بـ"خزائن"، إلى أنه يتم الاحتفاظ بكل مادة في خزانة باسم صاحبها، فيمكن لأي باحث ومؤرخ الرجوع إلى أصحابها عند التوثيق.

ويضيف: "خزائن ليست مقبرة ومستودعاً للوثائق، بل تعمل على إنتاج المعرفة من خلال الحديث مع أصحابها لمعرفة القصة خلف تلك الأوراق، وتنشر المقابلات على المنصة الرقمية التابعة لها لتكون جزءاً من التاريخ الشفوي، كما يتم كتابة بحث علمي عنها يُنشر على مدونة المؤسسة أيضاً".

ويتابع الطحان: "المؤسسات الإسرائيلية استولت على كل الأرشيف الفلسطيني من عام 1948م، ولذا وجدنا من المعيب أن نبحث عن تاريخنا في "المكتبة الوطنية الإسرائيلية"، لذا توجهنا للأحياء بصفتها مصدرًا للمعلومات".

ويشير مدير المؤسسة إلى أن المؤسسة تقوم بـ"رقمنة" المواد الأرشيفية، حيث يتم عمل نسخة إلكترونية للوثائق، بحيث تُحوِّل إلى مصدر معلومات مفتوح ومستدام، يمكن لأي شخص الاطلاع عليه.

وأقدم وثيقة "أفيميرا" يعود إلى العهد العثماني 1850م، وليست مقتصرة على توثيق تاريخ القدس، فالمتطوعون منتشرون في لبنان، والجزائر، والمغرب، وقطر، ومصر، وشمال إفريقيا، وفق الطحان.

واختيار مدينة القدس لتكون مركزاً لمؤسسة خزائن له رمزية، يقول مديرها: "اخترنا أن تكون مركزيتنا في القدس لتأكيد عروبتها وإسلاميتها، وأن فلسطين الحاضنة لجميع دول الوطن العربي".

وحتى اليوم جمعت المؤسسة 100 ألف مادة "أفيميرا"، نُشرت أكثر من 6000 منها على موقعها الإلكتروني، "فلا يتم "رقمنة" كل المواد لعدم التمكن من الحصول على إذن من أصحابها الأصليين، أو أن محتواها يتضمن "خصوصيات" ليس من الجيد تعميمها.

ويلفت الطحان إلى أن الموقع الإلكتروني لـ"خزائن"، لديه مميزات ليست موجودة في مؤسسات أخرى، حيث يسهُل البحث داخله، ولتسهيل الوصول لكل ورقة يتم كتابة كل المعلومات عن تاريخها عليها يدوياً رغم أن الأمر يستهلك وقتا طويلا.

وللمحافظة عليها من الاندثار أو الضياع، ينبه الطحان إلى أنه يتم الاحتفاظ بعدة نسخ للوثائق في أكثر من مكان، ويتم إعطاؤها في الوقت ذاته لأكثر من مؤسسة، "فالهدف ليس المنافسة، بقدر حفظ ذاكرة المجتمع".

ويختم الطحان حديثه: "ما يميزنا نحن الفلسطينيين هو التاريخ السياسي، ولكن عند ذكره لا نذكر الأشخاص الذين كان لهم دور في صناعته، لذا من المهم توثيق حياتهم اليومية التي ستتحول إلى تاريخ بعد سنوات طوال".