فلسطين أون لاين

الضفة الغربيّة.. الاستيطان يتضخّم والسُّلطة "تتفرّج"

...
رام الله-غزة/ جمال غيث:

فتح الضوء الأخضر الأمريكي، والتطبيع العربي، وفشل نهج السلطة شهية بينيت لمواصلة درب نتنياهو والحكومات الاحتلالية المتعاقبة، في التهام أراضي الضفة الغربية، وفيها القدس المحتلة، لكن الفلسطينيون يتشبثون بوطنهم، مهما كلف الثمن

كاد المزارع مجاهد غبن (من قرية بورين جنوب نابلس) يسقط أرضًا، وهو يشاهد أشجار الزيتون المعمرة وقد اقتلعها مستوطنو "يتسهار"، ومنعوه من الوصول إليها، مع موجة عاتية من الاستيطان في 2021، وسط فشلٍ رسمي فلسطيني، وتطبيع عربي، وصمتٍ دولي.

يعجز غبن يوميًّا عن الوصول إلى أرضه بسبب المستوطنين المسلحين، لكنه يؤكد أنه لن يتخلى عنها، مهما كلفه ذلك من ثمن.

يقول المزارع المكلوم لصحيفة "فلسطين": "إن المستوطنين اقتلعوا في حزيران (يونيو) نحو 70 شجرة زيتون من أصل 120 شجرة مثمرة، ليجهزوا على ما تبقى منها في أيلول (سبتمبر)".

حالة من الغضب سيطرت على غبن، الذي فقد قوت أسرته المتكونة من سبعة أفراد، فبعد أن كان يعمل في أرضه ويجني محصول الزيتون ويبيع بعضه ويعصر الآخر؛ لجأ إلى العمل في مجال البناء ليوفر احتياجات عائلته التي لا تنتهي.

ولا يختلف حال غبن كثيرًا عن المُسن محمد عقل، الذي يقطن في قرية فراسين جنوب غرب محافظة جنين، شمال الضفة الغربية، إذ يحرمه المستوطنون الوصول إلى منزله الذي انتهى من تشييده أخيرًا.

وطوال الأشهر الماضية لجأ عقل (65 عامًا) إلى منزل العائلة، الذي لا يبعد عن منزله المُستوطَن سوى بضعة كيلومترات فقط.

يبين عقل أن المستوطنين باستمرار يشنون عليه هجمات تحت حماية شرطة الاحتلال، لإبعاده عن منزله.

تغول وإرهاب

وتسارعت في 2021 وتيرة الاستيطان بالضفة الغربية، وفيها مدينة القدس المحتلة، ليصل إلى مستويات قياسية مقارنةً بالسنوات الـ20 الأخيرة، وفقًا لتأكيدات مراقبين، إذ وجد نفتالي بينيت الذي تولى في حزيران (يونيو) رئاسة حكومة الاحتلال خلفًا لبنيامين نتنياهو المجال مفتوحًا أمامه، لتعزيز التهام الأرض الفلسطينية، مستندًا إلى سقوط السلطة في وحل التعاون الأمني، ووقوفها موقف المتفرج على الاستيطان، وضوء أخضر أمريكي، وتهافت أنظمة عربية على التطبيع.

وتشير بيانات حركة "السلام الآن" الإسرائيلية إلى وجود نحو 666 ألف مستوطن، و145 مستوطنة كبيرة، و140 بؤرة استيطانية عشوائية بالضفة والقدس.

ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني؛ يعيش في الضفة الغربية نحو 3.1 مليون مواطن.

ويقول مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد "أريج" سهيل خليلية: "إن المشاريع الاستيطانية التي نفذت في 2021 كانت مركزة ومنظمة أكثر من سابقتها؛ فمنذ بداية العام أصدر الاحتلال 113 قرارًا لبناء وتوسيع 62 مستوطنة، شملت بناء أكثر من 17 ألف وحدة استيطانية وتركزت في منطقة القدس ومحيطها".

ويوضح خليلية لصحيفة فلسطين أن البناء الاستيطاني تركز في مستوطنات "جفعات هاماتوس"، "هارحوما"، و"بسغات زئيف"، و"عطروت"، إلى جانب المخطط الاستيطاني المعروف بـ"E1"، الذي يحيط بمدينة القدس، مشيرًا إلى أن الاحتلال يستولي على الأراضي بذرائع عدة.

وصدّق "مجلس التخطيط الأعلى"، التابع لما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال، في تشرين الأول على مخطط لبناء 3144 وحدة استيطانية في 30 مستوطنة وبؤرة استيطانية في الضفة الغربية، وفيها القدس المحتلة.

وسبق ذلك إعلان القناة السابعة العبرية مخططًا لبناء 104 وحدات استيطانية في مستوطنة "جيلو"، جنوب غربي القدس المحتلة، على محور السكك الخفيفة.

بيتا وبرقة

وشكَّلت بلدات بيتا وبرقة وسبسطية وجبع وكذلك جبل صبيح "بركانًا"، في وجه محاولات المستوطنين لتهجير الفلسطينيين منها.

وتُعرف بلدة بيتا بكونها إحدى القرى الفلسطينية المناضلة ضد الاستيطان منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقُتل على أرضها وأصيب العديد من المستوطنين أيضًا، وباتت اليوم أيقونة لمقاومة الاستيطان يبدع شبابها طرقًا جديدة للمقاومة.

ويقول أهالي بلدة برقة إن المستوطنين يخططون للعودة إلى "حومش"، البؤرة الاستيطانية المخلاة عام 2005، والاستقرار فيها، على حساب أراضيهم الخاصة.

ووفقًا لتقرير لـ"السلام الآن"؛ إنه إضافة إلى ما سبق تعمل حكومة الاحتلال على تنفيذ سبع خطوات استيطانية كبرى في الأراضي المحتلة، منها التقدم في ثلاثة مشاريع استيطانية ضخمة بشرقي القدس ومحيطها.

وأعلن الاحتلال في 21 أيلول (سبتمبر) اعتزام حكومته إنشاء معابد في مستوطنات الضفة ومناطق أخرى، وطرحها ضمن "خطة الأولويات".

وشكلت حمصة الفوقا عنوان المواجهة الأول لعام 2021 في الأغوار، بعد أن هدمها الاحتلال وهجر أصحابها أكثر من خمس مرات بين شباط (فبراير) و(أيار) مايو، بعد أن يعيد النشطاء والمواطنون بناءها.

وفي 20 تشرين الأول (أكتوبر) قالت صحيفة "إسرائيل اليوم": "إن وزارة (البناء والإسكان) تعكف على بلورة خطة لمضاعفة عدد المستوطنين، على طول أراضي غور الأردن، بتخصيص 90 مليون شيقل لتعزيز المستوطنات القائمة".

وفي القدس لخص الحال الحوار الذي دار بين منى الكرد من حي الشيخ جراح، والمستوطن الأمريكي الجنسية يعقوب فاوتشي، الذي يجثم في جزء من منزل العائلة المهددة بالتهجير، إذ عبر فاوتشي عن المنهج الحاكم للمستوطنين بقوله: "إذا لم أسرقه أنا (المنزل) فسوف يسرقه شخص آخر".

ويقول خليلية: "القدس هي نقطة استهداف الاحتلال الذي يعمل على صعيدين: أولهما إنشاء تكتلات استيطانية حولها، بداية من التجمع الاستيطاني "جفعات زئيف" شمال غرب مدينة القدس، و"معاليه أدوميم" شرقي المدينة المقدسة، و"غوش عتصيون" جنوب غربي القدس، التي يطلق عليها الاحتلال اسم القدس الكبرى، وثانيهما تفريغها من سكانها الأصليين".

وينبه إلى أن الاحتلال يعمل باستمرار لإنشاء بؤر استيطانية جديدة؛ لخلخلة الوجود الفلسطيني بالمنطقة، مستدلًّا على ذلك باستهداف الاحتلال مناطق (سلوان وجبل المكبر وصور باهر وحي الشيخ جراح) بالقدس.

ويوضح خليلية أن الاحتلال يستهدف البلدة القديمة والمسجد الأقصى ومحيطه، خاصة من منطقة "مقبرة اليوسفية" و"باب الرحمة"، لوضع أوتاد له من الجهة الشرقية الشمالية، ليكون له مدخل للوصول إلى ساحات الأقصى.

ويؤكد أن الاحتلال يسعى جاهدًا لاستجلاب مستوطنين جدد إلى الأراضي المحتلة وإبقائهم فيما يعرف باسم القدس الكبرى، لافتًا النظر إلى أن هذا المخطط سيقلب جغرافيًّا وديمغرافيًّا مدينة القدس.

برنامج وطني مشترك

من جهته يرى الناشط في مجال الاستيطان عيسى عمرو أن الدور المطلوب من السلطة في مواجهة الاستيطان "غير موجود على أرض الواقع".

ويقول عمرو لصحيفة "فلسطين": "إن المستوى المطلوب في مواجهة الاستيطان يعني القطع الكامل للعلاقة بين السلطة والاحتلال في كل التفاصيل، حتى الاتفاقيات والقرارات".

ويتساءل: "كيف يمكن لنا أن نطلب من الدول الضغط على الاحتلال لوقف غول الاستيطان، وهي (السلطة) تنسق وتعيق الجهود الفلسطينية -خاصة الشعبية- لرفع كلفة الاحتلال والاستيطان؟!".

ويطالب عمرو السلطة باللجوء إلى برنامج وطني يشارك فيه الجميع، لتنظيم العمل الشعبي ودعمه، وإطلاق ثورة شعبية تمتد إلى كل المناطق لوقف تنامي غول الاستيطان.