لم يكسر عباس الجمود، ولم يحرك ساكناً بشأن المفاوضات، فالزيارة المهانة والمهينة للشعب الفلسطيني جاءت في التوقيت المناسب لـ(إسرائيل)، التي قضت بأن التطبيع مع الأنظمة العربية هو الطريق المضمون للسلام مع الفلسطينيين، وجاءت زيارة عباس لوزير حرب العدو غانتس لتقول لكل الإسرائيليين: طريق التشدد والتجاهل لقيادة منظمة التحرير سيجعلها ترتمي تحت أحذيتكم طلباً للمساعدات، فكلما زاد تطرفكم أيها الإسرائيليون، وكلما زاد تجاهلكم لمقترحات المفاوضات التي يطرحها عباس، تهافتت القيادة الفلسطينية أكثر، وتوسلت لعقد أي لقاء، حتى ولو كان مع قتلة الشعب الفلسطيني.
زيارة عباس للإرهابي غانتس جاءت لتصرخ في أذن كل شباب الضفة الغربية، لن نسمح لكم بالانتفاضة، ولن نسمح لكم بمقاومة الاحتلال، بل لن نسمح لكم بالتصدي للمستوطنين، حتى ولو أحرقوا بيوتكم، وقتلوا أطفالكم.
زيارة عباس عززت من مكانة وزير الحرب لدى بعض الإسرائيليين، ولدى الإدارة الأمريكية، وفكت عن عنق الإرهابي وزير الحرب قاتل الأطفال حبل مشنقة العدالة الدولية، فوزير الحرب الذي قتل جيشه 9 شهداء في الضفة الغربية في شهر ديسمبر كانون الأول من هذا العام، وجد فرصته ليقدم نفسه رجل سلام، وصاحب مبدأ، وصديقًا لعباس، ويتبادل معه الهدايا.
زيارة عباس التي أسفرت عن زيادة عدد بطاقات VIP، وزيادة عدد السيارات المسموح لها بدخول إسرائيل، وزيادة عدد العمال، والإفراج عن مئة مليون شيكل، هذه الأشياء المادية والاقتصادية التي حصل عليها محمود عباس، كان يحصل عليها رؤساء البلديات إذا أجبروا على الالتقاء مع الحاكم العسكري الإسرائيلي، دون أن يعترفوا بإسرائيل، ودون خيانة القيم الوطنية، ودون أن يقوموا بزيارة لوزير الحرب في بيته بتل أبيب، ودون أن يقدموا فرائض الولاء لقائد جيش العدو.
زيارة عباس التي اقتصرت على الجانب الأمني، ومواصلة تقديم الخدمات، جاءت في الوقت الذي كانت الجرافات الإسرائيلية تهدم بيوت الفلسطينيين في الخليل، وكان المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى، وكان جيش بيني غانتس يقتحم مدينة البيرة، وكان المستوطنون يقتحمون قرى الضفة الغربية، بينما كان محمود عباس يشرب قهوة الوفاء والولاء لأعداء الشعب الفلسطيني.
لقد تعهد عباس بألا يسمح باستخدام العنف ضد المستوطنين، ما دام على قيد الحياة، وهذا ما أسعد الإسرائيليين، وهذا ما جعل وزير حربهم يقول: لقد تركز الحديث مع عباس على ضبط الأمن، ومنع الانتفاضة، ولجم اندفاع الشباب الفلسطيني، وتعهدنا له بالمزيد من المساعدات الاقتصادية، لقد تفاخر غانتس أمام المتطرفين الصهاينة، بأنه ضَمِن لهم استيطاناً آمناً، واحتلالاً مريحاً، مقابل فتات المال، وبعض البطاقات الخاصة لقيادة منظمة التحرير.
زيارة عباس لبني غانتس كانت أحد مقترحات كسر الجمود التي تحدثت عنها لقاء القاهرة، وأخذت الضوء الأخضر من مصر والأردن، لتشكل بداية لجملة من المقترحات التي تشمل تشديد الحصار على غزة، وعدم تنفيذ صفقة تبادل أسرى تؤثر في الاستقرار في الضفة الغربية، وزيادة عدد أفراد الأمن، وصرف المزيد من المساعدات المالية لقيادة السلطة، دون أن يكون لهذه المساعدات أي أبعاد سياسية.
زيارة عباس لبني غانتس تحتم على القوى الوطنية، والتنظيمات الفلسطينية، والشخصيات السياسية، والوجهاء والمثقفين، وكل أبناء الشعب الفلسطيني، أن يأخذوا دورهم، وأن يسهموا في إطلاق شرارة التخلص من قيادة التعاون الأمني مع الاحتلال، مع البدء في تشكيل قيادة وطنية بديلة، قيادة وطنية قادرة على مواجهة الأطماع الإسرائيلية، قيادة قادرة على تعرية المتعاونين مع الاحتلال دون وجل، ودون رحمة بكل أولئك الذين وضعوا أيديهم في أيدي المحتلين.