صدر حديثًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب "بلاد على أهبة الفجر.. العصيان المدني والحياة اليومية في بيت ساحور".
والكتاب من تأليف الباحث الفلسطيني أحمد عز الدين أسعد، ويقع في 528 صفحة، ويبحث في العصيان المدني في بيت ساحور إبّان سنوات الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى (1987).
ويحلل الباحث حالة البلدة وأهاليها، متناولًا أدوات العصيان التي طوّروها، والأساليب المختلفة التي خلقوها لمقاومة الهجمات الضريبية الإسرائيلية، وفرض موقف مقابل لسياسات الاحتلال في البلدة، ما أسماه الكاتب بالتكيّف العصياني المقاوِم.
ويورد الكتاب تحليله السوسيولوجي لمظاهر العصيان معتمدًا على مقابلات شخصية مع عشرات الأفراد من أهالي بيت ساحور، لتسجيل شهاداتهم وانطباعاتهم وتحليلهم لتجربة العصيان التي كانوا جزءًا منها، أفرادًا ومؤسسات أهلية ودينية ورسمية، مُظهِرًا من خلالها جوانب مختلفة من تجربة المقاومة الشعبية، كما خاضها أصحابها.
وتبين الحكايات والقصص والوقائع الواردة في الكتاب أن أهالي بيت ساحور أبدعوا في توظيف فنون المقاومة بما أسماه الكتاب العصيان بالحيلة لأنهم مارسوا سلطتهم الاجتماعية والثقافية والحياتية على الجنود ورجال الضرائب، ولم ينكسروا، رغم شدة القمع والحصار.
كما طوروا أدوات مقاومة بسيطة من خلال حياتهم اليومية ساهمت في تعزيز صمودهم وتقديم صورة بطولية وأسطورية عن واقعهم وصبرهم وعيشهم تحت الحصار الطويل والقمع.
وحاول أسعد في كتابه أن يقدم قراءة جديدة للعصيان المدني، ووظف نظريات علم الاجتماع والفكر والفلسفة وعلم الإنسان والتاريخ الاجتماعي والنظريات البينية متداخلة الحقول.
بُعد انتفاضي ثوري
وتوصل من خلال ذلك إلى أن العصيان المدني في الحالة الفلسطينية له بعد انتفاضي ثوري، مرتبط بالتحرر وتقرير المصير ودحر الاستعمار وإقامة الدولة الفلسطينية، وليس كأي عصيان في تجربة مجموعات أو حركات ضد حكومة أو دولة ليست دولة استعمارية.
وتتمثّل أكثر البيئات خصوبة لنمو العصيان أو ولادته في توافر جماعة من الناس، ووجود تجربة مشتركة، وغياب الانقسامات الأفقية والعمودية داخل الجماعة أو المجتمع، ووجود قيادة فاعلة توفّر بنيات اجتماعية وسياسية، بوصفها تعبيرات مؤسساتية.
ويبين الباحث أن هناك جملة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ساهمت في انتصار بيت ساحور، إضافة إلى استمرار إصرار أهالي المدينة على العصيان المدني، رغم الهجمة الاستعمارية الشديدة والقوية.
وتتلخّص تلك العوامل التي وُجدت أثناء عملية البحث والتوثيق والتحليل، في أن الظاهرة العصيانية في بيت ساحور كانت جماعية اشترك فيها المجتمع كله، وكانت ميدانية عمادها الحركة الوطنية بتشكيلاتها كلها، والحركة الجماهيرية بمؤسساتها وأطرها كلها، وكانت، أيضًا، عابرة للحزب والطائفة والمهنة والعائلة والحارة، فغلب عليها طابع الحركة الاجتماعية وفق منطق "تشارلز تلي" للحركات الاجتماعية، والتي لديها ثلاثة أنواع من المطالب، تتمثّل في برنامجٍ وهوية ومكانة.
بعث الروح النضالية
وخلص الكاتب في تصوره تجاه "مقاربة لعصيان مدني وطني راهن"، إلى أهمية وضع برنامج مرحلي لاستمرار النضال الفلسطيني في سبيل التحرر الكلي من الاستعمار، موصيًا ببعث الروح الفلسطينية النضالية مجددًا، من مخيمات الشتات التي شهدت مخاض ميلاد الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة،
ولنجاح برنامج العصيان المدني الوطني البنيوي المقاوم لا بد أن يكون هناك إرادة رسمية وشعبية لتطبيق الانفكاك عن الاستعمار، أي الاحتلال الإسرائيلي في صورته الكلية، وتعميم فكرة الحياة اليومية باعتبارها عصيانًا مقاومًا ومقاومة بنيوية، تبعًا للباحث أسعد.
كما يجب أن يكون العصيان المدني الوطني جزءًا من استراتيجية مقاومة جماعية، تجمَع إلى جانبه ما أمكن من أساليب المقاومة الأخرى، وفق ظروف كلّ تجمّع فلسطيني وإمكانياته الذاتية والموضوعية، وأن يعتمد برنامج العصيان الوطني على النضال المشترك، ويبتعد عن لغة المصلحة والمنفعة والربح والخسارة بمعناها المادي والسياسي السطحي.