للنجاح قواعد مهمة تنطلق منها كل الاجتهادات ومحاولات تحقيق أي إيجابيات، وكما أن للنجاح قواعد منطقية، توجد قواعد وهمية للفشل، لأن القواعد عادة ما تُعبِّر عن أساسات قوية لأي بناء.
وفي عالم كرة القدم توجد قواعد واضحة وصريحة لتحقيق التقدم والتطور وتعبيد الطرق إلى منصات التتويج، من أبرزها الاستقرار الإداري والفني، ومن قبلهما المالي، فهذه العناصر الثلاثة مجتمعة تضمن النجاح لأي جسم رياضي قائم على هذه القواعد.
ولأن قضيتنا اليوم قضية مرتبطة بالدرجة الأولى بالاستقرار الفني، فسنتحدث عن هذا الاستقرار الذي يؤدي في النهاية إلى فضاءات التطور والتقدم وتحقيق نتائج إيجابية على مستوى الفرق والمنتخبات الوطنية بمختلف فئاتها العمرية.
الاستقرار الفني له خطان متوازيان يسير عليهما قطار الفريق، الأول ثبات التشكيل وتعزيز الصفوف، والثاني ثبات الفكر والأسلوب، وهو ما يُمثله المدرب، فإذا حافظ الفريق على تشكيلة متجانسة ومدرب قادر على استثمار المواهب المتوفرة لديه، فالنتيجة حتمية وهي النجاح.
في الوطن العربي عمومًا تنتشر ثقافة تغيير المدربين بطريقة سريعة جدًّا، إذ إن بعض الفرق العربية تُقيل مدربًا لمجرد الخسارة، وتأتي بمدرب آخر يعرف تمامًا أنه سيُقال بعد مدة قصيرة قد لا تتجاوز نصف الموسم، أو ما تبقى من موسم على أكثر تقدير.
في فلسطين، الظاهرة هي نفسها، ولكن الفارق أن الظاهرة في الوطن العربي مرتبطة بالمال، فالتعويض والشرط الجزائي يُعوضان المدرب عن أضرار إقالته، ولكن في فلسطين، الأمر ليس كذلك، فهو أمر مرتبط بالتكتلات داخل الأندية، فأنصار هذا المدرب يقفون في صفوف المعارضة للمدرب الحالي، والعكس بالعكس في حال الانقلابات البيضاء.
هذه الظاهرة بعيداً عن الاعتبارات الخاصة داخل كل نادٍّ، فهي ظاهرة سلبية ستساهم في تغييب الاستقرار الفني، فكل فريق سيتولاه مدربان على أقل تعديل في الموسم الواحد، وهناك بعض الفرق من تولى تدريبها ثلاثة مدربين في الموسم الواحد، وكل مدرب له طريقته وأسلوبه المختلف عن الجميع، ويتوه اللاعبون بين مدرسة تدريبية وأخرى، هذا إن كنا منطقيين في إطلاق مصطلح مدرسة على فئات المدربين.
وخيراً فعل مجلس إدارة نادي شباب رفح بتمسكه بمدربه رأفت خليفة بعد استقالته وإصراره عليه نتيجة ما تعرض له من ضغوطات من أقطاب داخل النادي ممن يُساندون مرشحاً آخر لتولي المنصب المهم للفريق الأقوى والفريق الأعظم على منصات التتويج في ربع القرن الأخيرة، برفض استقالته وتجديد الثقة به تحقيقاً لمصلحة النادي.
الاستقالة التي تراجع عنها رأفت خليفة كانت الثانية بعد الأولى التي تقدم بها عماد هاشم، الذي سرعان ما ترك غزة الرياضي قبل انطلاق الدوري مُفضلاً عرض شباب جباليا، فكانت استقالته بعد ثلاث جولات لم يُحقق فيها الفريق أي فوز.
اليوم وفي ظل رفض ظاهرة الاستقالات أو الإقالات في صفوف المدربين، يأتي الكابتن هاني المصدر ليكون المدرب الثالث الذي يُقدم استقالته من تدريب فريق غزة الرياضي العائد للدرجة الممتازة بعد الهبوط التاريخي السلبي للدرجة الأولى في ختام موسم 2019-2020.
الاستقالات الثلاث لن تتوقف، وهناك مدربون مرشحون للاستقالة أو الإقالة في ظل الظروف والنتائج السلبية لبعض الفرق، وهذا ما يدفع باتجاه آلية تحد من ظاهرة استقالة أو إقالة المدربين، للحفاظ على الهيكل الفني للكرة الفلسطينية، والمساهمة في تحقيق خطوات إلى الأمام وليس للخلف.
صحيح أن الاستقالة أو الإقالة ظاهرة عالمية، ولكن على أن تكون في حدود المنطق، ووفق شروط يتم فرضها، وستكون محور المقال القادم غدًا بإذن الله.