فلسطين أون لاين

"فقدتُ ظلي ومؤنستي في الحياة منذ 34 عامًا"

تقرير أيام موحشة تنتظر "صالح فقهاء" بعد استشهاد زوجته

...
غدير مسالمة
غزة/ هدى الدلو:

لن ينسى صالح فقهاء اللحظات الأخيرة التي عاشها مع زوجته غدير مسالمة في أثناء عودتهما معًا من رام الله إلى بلدته سنجل وهي تمشي بجانبه أحيانًا، وتتقدمه بخطوات مرات أخرى تحمل بيدها فطائر اشترتها من مدينة رام الله لتتناولها برفقة شقيقها وأبنائه.

ففي لحظة وداع صامتة، نظر صالح (67 عاما) إلى زوجته دون أن تبادله النظرات، ودون أن يستطيع أن يرثيها بكلمات بعدما انعقد لسانه في حضرة الشهادة.

كانت غدير التي تصغر زوجها بأربعة أعوام، تتبادل الضحكات وأطراف الحديث العابر مع زوجها عائدين من مخبز البلدة الواقعة شمال رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، حيث تحب أن تقضي أوقات فراغها وعطل زوجها في بلدته.

ما إن وصل الزوجان إلى المفترق الرئيس للبلدة حتى باغتهم مستوطن إسرائيلي يقود سيارته بسرعة كبيرة قاصدًا ارتكاب جريمته عن سبق إصرار.

لم تفلح مركبة الإسعاف التي وصلت إلى المكان في إنقاذ حياة مسالمة التي أصيبت بنزيف حاد، وأعلن استشهادها فور وصولها المشفى.

ببضع كلمات خرجت من بين خلجات صدره بصعوبة وبصوت مختنق، ودع صالح رفيقة دربه وهي مسجاة أمامه: "مسامحك يا غدير.. ربنا يرضى عنك ويرحمك ويغفر لك، نلت شرف الشهادة في يوم الجمعة".

يقول صالح لـ"فلسطين": "سرق حياتي وراحت صاحبتي.. لم يتوقف المستوطن بل فر مسرعًا بسيارته بعد أن أصابها بجروح غائرة في الرأس قتلتها في مكانها".

ويضيف: "لا يمكن أن أصف جريمة الإعدام الميداني التي ارتكبت بحق زوجتي إلا بالبشعة. الاحتلال يسمح لمستوطنيه بارتكاب الجرائم بحقنا نحن الفلسطينيين وإلحاق الأذى بنا".

يتساءل صالح دون أن يبحث عن إجابة: "إلى متى هذا الإرهاب المنظم الذي يشرعه الاحتلال الإسرائيلي لمستوطنيه، يتبادلان الأدوار للتنكيل بنا نحن الفلسطينيين الآمنين والعزل في وسط بلادنا وأهلنا؟".

قضت غدير السنوات الأخيرة تصارع مرض السرطان الذي تعافت منه قبل خمس سنوات، أما صراعها الأكبر، فكان أن تعيش قدر الله محرومة من الأمومة.

يصمت فقهاء عن إصدار أي صوت، مكملًا حديثه: "فقدت روحي وحياتي وظلي ومؤنستي في الحياة منذ 34 عامًا، فقد كانت صديقتي وزوجتي والابن والابنة البارة التي لم نرزق بهما، قضينا أيام حياتنا معًا على الحلوة والمرة، وبرحيلها سأعيش حياة موحشة تفتقد لأدنى الملامح والمظاهر الجميلة".

ويُحمِّل صالح سلطات الاحتلال -التي تضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية- المسؤولية الكاملة عن جريمة دهس زوجته، وكذلك المجتمع الدولي الصامت عن الجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين.

الابن الذي لم تلده

بينما الشاب نيال فقهاء وهو ابن شقيق زوجها والذي بدأ متأثرًا باستشهادها، فقد كان لها بمنزلة الابن الذي لم تنجبه، يساعدها ويلبي لها احتياجاتها ليحظى بسيل من الدعوات التي يلهج بها لسانها وقلبها في حضرته وغيابه.

يقول: "كانت تربطني معها علاقة متينة، قائمة على الاحترام والرضا، وقد مرت بحياتها في ظروف صعبة إلا أنه لم يظهر منها إلا الصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره".

كان نيال في 21 مارس من كل عام والذي يوافق يوم الأم يفتقدها بهدية حتى لو كانت بسيطة جبرًا لخاطرها. 

وشهدت سنجل عام 2014 حادثًا مماثلًا، حيث دهس طفلتين؛ ما أدى إلى استشهاد إحداهما (إيناس شوكت دار خليل) وإصابة الأخرى (تولين عصفور) بجروح تسببت في إعاقة دائمة لها.

وفي الأسابيع الأخيرة، شهدت الضفة اعتداءات واسعة من مستوطنين على مواطنين فلسطينيين وأراضيهم الزراعية ومنازلهم وممتلكاتهم.

وصعّد المستوطنون منذ عدة أيام من وتيرة اعتداءاتهم على الفلسطينيين في قرية برقة شمال مدينة نابلس، وأصابوا عددًا من المواطنين بجروح، وتسببوا بخسائر في الممتلكات، وحطموا شواهد قبور وقطعوا أشجارًا بحماية قوات جيش الاحتلال.