على عكس ما يوحي به الإعلام الإسرائيلي عن عدم استعداد حكومة الائتلاف الإسرائيلية لتنفيذ صفقة تبادل أسرى وفق شروط حركة حماس، وعلى عكس ما يردده بعض الكتاب والمحللين الإسرائيليين عن عدم وجود ضغط جماهيري مؤثر في الحكومة لتنفيذ صفقة تبادل أسرى، وعلى عكس ما يبديه الوفد القيادي الإسرائيلي المكلفة بملف الأسرى من تعنت في جلسات التفاوض في القاهرة، فإن الإصرار الإسرائيلي على الربط بين فك الحصار عن غزة بتنفيذ صفقة تبادل أسرى، ليمثل الدليل على حاجة الجيش الإسرائيلي لصفقة تبادل أسرى في هذه المرحلة، حتى ولو كانت ضمن شروط حركة حماس.
وقد تكون المقاومة الفلسطينية في حاجة إلى إنجاز صفقة تبادل أسرى، وقد يكون الأسرى أنفسهم بحاجة إلى صفقة تبادل تنتزعهم من ظلمات الأسر إلى نور الحرية، وقد يكون أهل الأسرى أكثر حاجة لرؤية أبنائهم أحراراً بعد أن أطبقت عليهم الجدران عشرات السنين، وقد يكون الشعب الفلسطيني بحاجة إلى هذا النصر المُعنّى الذي يشد من أزر رجال المقاومة، ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى صفقة تبادل أسرى أكثر بكثير من حاجة الفلسطينيين، وأكثر بكثير من حاجة أهل الجنود الإسرائيليين الأسرى أنفسهم، وأكثر بكثير من حاجة المجتمع الإسرائيلي الذي لا يبدي حراكاً من أجل تنفيذ صفقة تبادل أسرى.
الجيش الإسرائيلي هو الأكثر مصلحة ورغبة في تنفيذ صفقة تبادل أسرى، فهو الذي تخلى عن جنوده في المعركة، وتركهم دون أن يعرف مصيرهم، وهو الجيش الذي يتفاخر بعدم خذلان جنوده، وعدم التخلي عنهم، هذا الجيش بحاجة إلى صفقة تبادل أسرى، تبعث الثقة في نفوس الجنود الذين ما برحوا يتهربون من التجنيد، ويرتعبون من المواجهة، وما انفكوا يلجؤون إلى الحيل والأكاذيب للابتعاد عن وميض أي معركة مع رجال غزة، وهذا ما كشف عنه الكاتب أمير بوخبوط، حين نشر على موقع واللا العبري بعض ما يخيف الجنود الإسرائيليين على مصيرهم في المعارك القادمة، وما يقلق أهل الجنود على مصير أبنائهم في حالة الاشتباك المباشر مع رجال المقاومة في غزة، وإذا فقدت آثارهم.
لقد كشف أمير بوخبوط عن لقاء عقده قادة كتيبة الاستطلاع التابعة لفرقة جفعاتي مع الجنود الذين شاركوا في الحرب على غزة عام 2014، لقد تحدث الجنود في اللقاء عن الصعوبات اليومية التي تواجههم في حياتهم حتى يومنا هذا، وأنهم غير قادرين على التأقلم مع الواقع، وإنهم يسترجعون في يقظتهم ونومهم مشاهد مرعبة، وإنهم يعانون تجارب مفزعة عايشوها أمام رجال المقاومة في غزة قبل سبع سنوات.
ولم يكتفِ الجنود الذين التقى معهم قائد الكتيبة باسترجاع أيام الوجع، بل تجاوزوا تجاربهم الشخصية حين وجه الجنود انتقادات حادة للحكومة، ولقيادة الجيش، لأنهم لم يقوموا بواجبهم لإعادة الجنود الأسرى منذ سنوات، وأثر ذلك في معنويات بقية الجنود، وتأثير ذلك في نفسية أهالي الجنود، إذا واجهوا مصير زملائهم الذين ابتلعت ذاكرتهم أرض غزة.
هذه الحقائق عن أوضاع الجنود الإسرائيليين تدركها القيادة الإسرائيلية، وتدرك أن صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس، قد تعيد للجنود ثقتهم بقيادتهم، وقد تعيد لقادة الجيش الإسرائيلي احترامها لقدراتها أمام جنودهم، لذلك فالضغط الذي تتعرض له الحكومة الإسرائيلية من قادة الجيش والجنود أكثر بكثير من أي ضغط قد يتعرضون له من أهالي الجنود الأسرى، أو من المجتمع الذي يعيش همومه اليومية، متناسياً جنوده الأسرى بين أيدي رجال المقاومة.