ازدادت جرائم المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة خلال الأيام القليلة الماضية، كان آخرها قتل الشهيدة المسنة غدير مسالمة "63 عامًا"، التي ارتقت في جريمة دهس نفذها مستوطن حاقد بسيارته قبل أن يلوذ بالفرار قرب بلدة سنجل شمال رام الله، وقبلها تهديد النائب في الكنيست المتطرف بن غفير بالسلاح للفلسطينيين، والاعتداءات المستمرة على أهالي بلدة برقة، إضافة إلى الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال يوميًا بحق الفلسطينيين.
هذه الجرائم تأتي في الوقت الذي تشتعل فيه السجون الإسرائيلية بالمواجهات عقب فرض العقوبات القاسية على أسرى سجن نفحة وكذلك، الاعتداء على الأسيرات وعزلهن وبعد عملية طعن سجان إسرائيلي التي نفذها الأسير يوسف المبحوح، والتهديدات التي أطلقتها الحركة الأسيرة بأن الأوضاع لن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه دون عودة الأسرى المعزولين ووقف كل الإجراءات التي اتخذت على خلفية الأحداث الأخيرة والاستجابة لبقية مطالب الأسيرات.
كل تلك الأحداث لم تمنع أجهزة السلطة في الضفة من إكمال مسلسل إجرامها بحق الفلسطينيين وخاصة الذين يتبعون لتيارات المقاومة، ويلاحقون مواكب استقبال المحررين ومن يرفعون الرايات، فقد تسببت ملاحقتهم لموكب محرر باستشهاد الشاب أمير اللداوي من أريحا الذي كانت تهمته رفع راية التوحيد في أثناء استقبال المحرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي القيادي في "حماس" شاكر عمارة.
ليس ذلك فحسب بل تقاطعت جرائمهم وأفعالهم في الكثير من المواقف مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، فأصبح الطرفان يلاحقون رايات المقاومة ومواكب المحررين ويعتقلون المطاردين، ويدافعون عن المستوطنين إذا وقعوا في مأزق ويتركونهم إذا كانوا معتدين، فأجهزة السلطة لاحقت اللداوي لأنه رفع راية خضراء، وفي الوقت نفسه الاحتلال اقتحم مسجد وصايا الرسول في الخليل لإنزال راية التوحيد عن مئذنته، وكذلك تركوا المستوطنين يستبيحون قرية برقة ولم يكلفوا أنفسهم بحماية سكانها، بل إنهم منعوا خطباء المساجد في المنطقة من ذكر أي شيء يتعلق بالتصدي للمستوطنين، ناهيك بحادثة اعتقال الاحتلال الشابين صالح وأحمد فرج وتحويلهما إلى سجن السلطة في أريحا، بعد اعتقالهما من مخيم عايدة قبل أيام.
هذا الإجرام المزدوج من السلطة والاحتلال يعني شيئًا واحدًا هو زيادة النفَس الثوري والاحتقان في صفوف الفلسطينيين تجاههما ويقرب من الانفجار الشعبي، وهو ما أثبتته عمليات المقاومة المتصاعدة خلال الأسبوع المنصرم في مستوطنة بسجوت في رام الله وفي بلدة برقة وفي عصيرة القبلية (نابلس) وطمون (طوباس) وفي جبل صبيح وعملية الدهس في جنين وغيرها من نقاط المواجهة التي ترعب السلطة أكثر مما ترعب الاحتلال.
إن حالة الغليان التي بدأت في الضفة الغربية وفي السجون ضد الاحتلال والسلطة ما هي إلا تراكمات من القهر الذي عاشه الفلسطينيون على مدار سنوات، وإن عمليات المقاومة المتصاعدة التي يمكن القول بأنها فردية ولكنها منظمة من حيث وقت التنفيذ، وبرأيي فإنها فرصة ذهبية لقيادة المقاومة -قد لا تتكرر- بأن تكثف تلك العمليات في الضفة وتنوع فيها، خاصة مع اقتراب نهاية مشروع السلطة القائم على التنسيق الأمني.
ولذلك أرى أن عليهم -إضافة إلى تكثيف العمليات- العمل والاجتهاد من أجل أن يملؤوا الفراغ وأن يكونوا جاهزين للحظة الحاسمة "ما بعد عباس" وأن يتقدموا ليكونوا بديلًا قويًا لإدارة المرحلة الوطنية في الضفة الغربية المحتلة، خاصة أن الاحتلال لن يستطيع الحفاظ أكثر من ذلك على أجهزة السلطة بعد رحيل عباس لعدة أسباب لعل من أهمها ازدياد الغليان المؤدي للانفجار الشعبي في أي وقت، إضافة إلى فشل فتح ومشروعها السياسي، ناهيك بالصراع المحتمل بين تلك الأجهزة على السلطة والنفوذ، لكن عليهم ألا ينسوا بأن هذا الطريق لن يكون مفروشًا بالورود.