تتواتر الإشارات الدالة على حالة متصاعدة من الغضب بين الفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك بسبب المماطلة والتسويف الإسرائيليين في قضية رفع الحصار عن قطاع غزة، وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال، أحد أوضح هذه الإشارات ما أعلنه مصدر قيادي في حركة حماس لقناة الجزيرة؛ من أن الحركة تدرس خيارات التصعيد مع العدو الصهيوني، وأن المقاومة لن تسمح باستمرار الوضع الحالي، والأيام القادمة ستثبت صدق ما نقول، (على حد قوله).
وأخيرا أعلن الإعلام الصهيوني عن فشل مباحثات الوفد الأمني المصري في التوصل لتسوية شاملة تعمل على تخفيف الحصار مع ضمان إنهاء قضية الأسرى الصهاينة، وهو ما رفضته المقاومة دون شك، حيث بعثت حماس برسالة تهديد إلى الاحتلال تؤكد أنها لن تقف مكتوفة الأيدي ما لم يكن هنالك خطوات جديدة تتضمن إنهاء حصار غزة.
والسؤال هنا: لماذا وصلنا إلى هذه الحالة بعد عدة أشهر فقط من معركة سيف القدس، والسبب في غاية الوضوح، وهو أن شيئا لم يتغير، فالعدو فيما يبدو لم يدرك بعد -وهو الذي يدرك كثيراً من تفاصيل الحياة في غزة- أن الحصار بات مستحيلًا، لا يمكن بتاتا استمراره، ليس لأن الفلسطينيين يرغبون أو لا يرغبون بذلك، بل لأن الحياة لم يعد من الممكن أن تستمر بهذه الطريقة، الطاقة التي منحت الفلسطيني في قطاع غزة القدرة على الصمود في وجه الحصار انتهت، ولم يعد بالإمكان المواصلة.
كانت مسيرات العودة إشارة واضحة إلى ذلك، ولكن العدو لم يقرأها، كانت البلالين الحارقة، والأدوات الخشنة إشارة إلى ذلك، كانت عملية قتل الجندي الصهيوني بمسدس فدائي فلسطيني إشارة إلى ذلك، ولكن العدو لم يفهم كل تلك الرسائل.
ذلك أن جيلاً فلسطينياً نشأ وكبر في ظل الحصار، ولم تتح له أي فرصة لبناء ذاته، أو الحصول على عمل، أو بناء بيت، أو الزواج، وهذا الجيل يمثل اليوم عماد الفعل الفلسطيني المقاوم في قطاع غزة، هو صلب الفصائل الفلسطينية الفاعلة، وهؤلاء لن يذهبوا كما قد يتصور البعض، أو يروج، لوهم الهجرة الذي يقود للضياع أو الغرق، ولن يذهبوا للانتحار، أو اليأس، أو الأمراض النفسية.
هؤلاء كتلة مذهلة من الصلابة النفسية التي لا تعرف إلا المقاومة والصمود والتحدي، هم من حفروا الأنفاق، وهم من صنعوا الصواريخ، وهم من تحدوا إرادة الاحتلال.
هؤلاء الفرسان كما عشرات الآلاف من الشباب في أجيالهم، أو الأجيال التالية، لن يقبلوا أبداً استمرار الواقع الحالي، وبالتالي لن يستكينوا أبداً إلا بكسر الحصار، وهذه المهمة ينظرون إليها كواحدة من المهام الوطنية العظيمة التي يؤمنوا بها، كالدفاع عن الأقصى، أو الأسرى، أو مساندة أهلنا في الضفة، أو ما شابه، وبالتالي صار هذا الحصار مستحيلاً، ولا يمكن القبول باستمراره.
وهو ما يضعنا استراتيجياً أمام مجموعة من الخيارات ستنتهي في النهاية إلى واحد من ثلاثة احتمالات: أما أن تنتهي المقاومة في غزة وتزول تماما، وأما أن يزول الكيان الصهيوني تماماً، وتتحرر فلسطين، وأما أن ينكسر الحصار وينتهي، ذلك أن أهل غزة لن يقبلوا استمرار الحصار، وسيتجهوا لكسره بكل الوسائل، ما سيدفع الاحتلال للرد، والرد المتبادل، وفي النهاية ستنشب الحرب، التي ستنتهي بالتوصل لاتفاق ينص على كسر الحصار، وفي الغالب لن يلتزم العدو بذلك، ما سيدفع في النهاية إلى حرب جديدة، وهكذا في عدة جولات متتابعة لن يحتملها الاحتلال، ولن تحتملها المقاومة.
عندئذ سيكون أمام العدو واحد من احتمالين، إما أن يبادر لاجتياح غزة، بهدف القضاء على مقاومتها، قد ينجح، وقد لا ينجح، - وإن كنت استبعد تماماً ذلك، للخوف الصهيوني البالغ من الخسائر البشرية-.
وإما سيكون مضطرا للتوصل لاتفاق يتضمن كسر حقيقي للحصار على غزة، وهو ما يتخوف منه الاحتلال لأنه يتساءل في أروقة مؤسساته البحثية، ما المدى الذي يمكن أن تصل إليه المقاومة من التطور في حال كسر الحصار، في ضوء أنها قد وصلت إلى ما وصلت إليه من إنجاز ضخم رغم الحصار والتشديد والإغلاق.
استمرار هذا الواقع لن يدع أمام المقاومة -في حال عدم حدوث أي السيناريوهين السابقين- إلا المواجهة المستمرة التي لن تنتهي إلا بكسر الحصار، أو زوال هذا الاحتلال تحت وقع الضربات المهينة، التي لن تقتله، لكنها ستظهر للعالم مدى ضعفه وعجزه، ما سيدفع كافة المكونات الإقليمية المعادية لهذا المحتل إلى مهاجمته، وضربه، وما التفاعل الذي أبدته المقاومة في جنوب لبنان بقصف مستوطنات الشمال، إلا نتيجة لعجزه في معركة سيف القدس.