فلسطين أون لاين

 ألف لاجئ يتكدسون في كيلو متر

تقرير "البرج الشمالي".. مخيم فلسطيني لا ترى بيوته الشمس

...
مخيم البرج الشمالي
صور-غزة/ يحيى اليعقوبي:

كـ"علب الكبريت" تتلاصق البيوت في مخيم البرج الشمالي، لا تزيد مساحتها على ستين أو سبعين مترًا مربعًا، تتدلى منها تمديدات الأسلاك الكهربائية بصورة عشوائية بين الأزقة، على حين تفتقد أسسَ ومقومات الحياة، واقع معيشي يصفه ساكنوها بـ"المرير".

المخيم الذي تبلغ مساحته كيلومترًا مربعًا، يعاني اكتظاظًا سكانيًّا كبيرًا، يسكنه قرابة 20 ألف لاجئ حسب الإحصائيات الرسمية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، في حين تقدر معطيات فلسطينية العدد بنحو 25 ألفًا، وتبلغ نسبة البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين فيه نحو 35%، على حين يبلغ معدل الفقر فيه نحو 70%.

ويعد "البرج الشمالي" الذي شهد فاجعة مأساوية قبل أيام، من مخيمات اللاجئين الرئيسة الثلاثة في منطقة صور جنوب لبنان، ويبعد عن فلسطين المحتلة قرابة 37 كم. تأسس المخيم بعد النكبة الفلسطينية، وهو من أكثر المخيمات فقرًا في لبنان نتيجة اعتماد أهله على الزراعة والأعمال الحرفية، وتكثر فيه الأمراض المزمنة ولا سيما فقر الدم، إذ تشير المعطيات إلى أن أعلى نسبة إصابة بمرض "الثلاسيميا" سجلت في "البرج الشمالي" على مستوى لبنان.

اللاجئ إبراهيم خطاب (59 عامًا) يقرب مجهر المعاناة أكثر، واصفًا واقع الحياة في المخيم بـ"المرير، إذ يحجب تلاصق البيوت أشعة الشمس عن الكثير منها، وترتفع نسبة الرطوبة وكذلك الأمراض".

يقول لـ"فلسطين": "تخيل أن منزلًا بمساحة ستين مترًا يعيش فيه أربعة عشر فردًا، وهذه هي النسبة الأعظم في المخيم هنا، فضلًا عن تلاصق البيوت، ولا يوجد بالمخيم سوى شارع رئيس والبقية عبارة عن ممرات لا تكفي حتى لمرور شخصين بالتوازي".

مخيم الشهداء

ويأسف خطاب على جريمة إطلاق النار التي وقعت خلال تشييع جثمان حمزة شاهين، وأودت بحياة ثلاثة من المشاركين في مسيرة التشييع.

ويضيف أن المخيم وسم تاريخيًّا "بمخيم الشهداء"، إذ استشهد 130 لاجئًا من سكانه في إثر استهدافه من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياح لبنان عام 1982، "كل فرد يعيش في المخيم يخبئ في قلبه مخزونًا ثوريًّا هائلًا، فدائمًا يحضر المخيم في المناسبات الوطنية ويمتاز بالانسجام بين العائلات والتفاهم والوحدة، ما حدث خارج عن السياق الوطني ويضرب أواصر الوحدة التي عهدها سكان المخيم".

واقع تعليمي وصحي صعب

ويضم المخيم ثلاث مدارس، وهي مدرسة "جباليا" و"الصرفند" و"فلسطين" وتختص بالتعليم الابتدائي والإعدادي، على حين يضطر طلبة الثانوية العامة حسب اللاجئ محمود جمعة (69 عامًا) للسير أو الذهاب المواصلات إلى التعلم في مدارس مخيم الراشدية على بعد خمسة كيلو مترات، أو لمخيم "الباص" على بعد سبعة كيلو مترات، وهذا "شكل من أشكال الحرمان للمخيم "الصابر الصامد المكافح"، إذ يجبر طلاب المرحلة الثانوية للذهاب لمناطق بعيدة.

الواقع الصحي في المخيم أيضًا لا يقل وطأة عن ظروف السكن. يعرض جمعة لـ"فلسطين" جانبًا منه، بالإشارة إلى خلو "البرج الشمالي" من مشفى مركزي لتقديم رعاية طبية كاملة، "ما يتوفر هو مستوصف الهلال، ومركز الشفاء، يصنفان كعيادات طبية لا تسمح إمكاناتهما بتقديم أكثر من الإسعافات الأولية، مع وجود بعد الأطباء الأخصائيين".

وزاد متهكمًا على واقع المخيم المرير "تقريبًا يمر على العيادة نحو 100 مريض يتعامل معه طبيب أو طبيبان فقط ومن ثم لا يحصل المريض على حقه في الكشف والتشخيص".

ولا يجد الأطفال اللاجئون مساحات للعب، فيهربون من مساكن ضيقةٍ إلى أزقةٍ أضيق، يحرمون من مساحات للترفيه واللعب، يكبرون على هموم وجدوا أنفسهم فيها، يقول جمعة الذي يعمل في مؤسسة بيت أطفال الصمود.

ويتابع: "تنعدم في المخيم الشوارع إلا من شارع وحيد وأزقة ضيقة بين البيوت المتلاصقة، يحرم الأطفال من اللعب فلا ينخرطون بأي نوع من الأنشطة الصفية أما الشتاء فهو بارد عليهم بالنظر إلى البنية التحتية للبيوت، وهذا جانب من الحرمان الذي يعيشونه".

مساحة واحدة

عندما عايش جمعة المخيم لم يكن يتجاوز عدد سكانه ثلاثة آلاف نسمة، زاد العدد عام 1955 ليصبح سبعة آلاف، والآن يعتقد أن أعداد اللاجئين تجاوزت حاجز 25-28 ألف لاجئ، تضاعفت الأعداد وبقيت المساحة على حالها يكتوي اللاجئون في أشد المخيمات فقرًا بنار الحياة المعيشية الصعبة والأزمات المتتالية، وأبرزها أزمة الكهرباء التي لا تصل إليهم من الشركة المزودة إلا ساعتين يوميًّا، على حين يضطر اللاجئون للتزود بها من خلال المولدات وهي أكثر ثمنًا.

حصار

اللاجئ سامي حمود يخرج من وإلى المخيم من خلال شارع واحد يطل على الحياة الخارجية ويمثل للاجئين شريان الحياة، وتوجد نقطة للجيش اللبناني على مدخله، على حين تحيط سواتر ترابية مرتفعة بكل جهات المخيم الأخرى بحيث تمنع اللاجئين من مغادرته من خلال البوابة الرئيسة بعدما أغلقت المداخل الأخرى في تسعينيات القرن الماضي، يصف الحياة في المخيم قائلًا: "أنت تعيش في حصار بكل معنى الكلمة، تخرج وتعود من مدخل واحد".

وألقت أزمة اقتصادية حادة ثقلها على لبنان في الآونة الأخيرة أدت إلى ارتفاع مستوى الغلاء المعيشي فيها، دفع اللاجئون في المخيم ثمنًا كبيرًا لهذا الارتفاع وزادت نسبة الفقر، على حين لم تقم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" بدورها في إغاثتهم إلا من مساعدة نقدية قدمت لمرة واحدة بالليرة اللبنانية في بداية الأزمة، وأخرى بالدولار قبل عدة أشهر وكانت لفئة محددة من الناس.

بحسب مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي، فإن الواقع الاجتماعي بالمخيم صعب، مشيرًا إلىه في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى تراجع الخدمات المقدمة من "الأونروا" للمخيم على غرار بقية المخيمات الأخرى، في التعليم والصحة والإغاثة والبنى التحتية، وتشهد تراجعًا كبيرًا نتيجة الأزمة التي تمر بها الوكالة، وفق قولها.