تشهد الضفة المحتلة تصاعداً في الحالة المقاومة للاحتلال الصهيوني، آخر مظاهر ذلك عملية نابلس التي تبنتها سرايا القدس، والتي سبقتها وتلتها عدد من عمليات الطعن، ولكن عملية نابلس تميزت بقدرة عالية على التخطيط والتنفيذ والانسحاب، ورغم أن العدو الصهيوني أعلن عقب ثلاثة أيام من البحث المتوالي اعتقال المنفذين، إلا أن ذلك لا يقلل أبداً من حجم التطور في التخطيط لهذه العملية النوعية، والذي يشير إلى تطور مستمر في مسار العمل المقاوم كما ونوعاً، وهو ما يعطي أملاً بأن المستقبل سيشهد تفوقاً واضحاً للمقاومة في مختلف مناطق الضفة.
عملية نابلس جاءت عقب عملية الشيخ فادي أبو شخيدم في القدس، وكلتا العمليتين كانتا على قدر كبير من النجاح، قياسا بالظروف التي تعيشها المقاومة في الضفة والقدس، فحملات الاعتقالات الصهيونية اليومية لا تكاد تتوقف فيما يُعرف بسياسة جز العشب، والتي يرافقها تصاعد كبير في مسار التنسيق الأمني من قبل السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، كذلك تشهد الضفة تصاعدا في حالة القمع والاعتقال السياسي ومطاردة أي مظاهر وطنية، كالرايات أو الهتافات أو ما شابه.
ومن المهم الانتباه هنا إلى أن حالة المقاومة في الضفة اليوم ليست حالة نوعية فحسب، بل هي حالة شعبية متصاعدة، نتبين مظاهرها من حالات الاشتباك الجماهيري الواسع مع قوات الاحتلال بالحجارة والزجاجات الحارقة، ونتبين مظاهرها أيضاً في حادثة حرق سيارة المستوطنين التي اقتحمت رام الله، وكاد المواطنون الفلسطينيون أن يفتكوا بهم لولا تدخل الأجهزة الأمنية التي قامت بإنقاذهم، وتسليمهم للاحتلال، في حالة تتناقض تماماً مع أي من مظاهر العمل الوطني كما تعارف عليها الفلسطينيون، كان هتاف المواطنين آنذاك تأييدا لقائد المقاومة محمد الضيف، تأكيداً على حجم تغلغل حب المقاومة في قلوب أهالي الضفة.
وأن كل محاولات التشويه، وسلخ الناس عن الحالة الوطنية، وشغلهم بالأموال والعمل والقروض والوظائف، ومطاردة كل شكل من أشكال المقاومة، أو رمز من رموزها، كل ذلك لم ينجح في إبعاد الناس عن المقاومة فعلاً وانتماءً وتأييداً.
اللافت فيما يجري في الضفة اليوم أن حالة شعبية متصاعدة تتحدى جبروت السلطة وقمعها، تتزامن مع العمليات البطولية، فلقد حاول الاحتلال وأجهزة أمن السلطة مطاردة مظاهر رفع الرايات الفصائلية المقاومة كحماس والجبهة الشعبية، كما حاولوا منع الاحتفالات بانطلاقة حماس، إلا أن كل ذلك باء بالفشل الذريع، فلقد احتفلت الكتلة الإسلامية بانطلاقتها في بيرزيت رغم اقتحام الاحتلال للجامعة في الصباح، ورفعت رايات حماس في العديد من قرى وبلدات الضفة كالخليل، ورام الله.
كما ظهرت في العديد من الفيديوهات مظاهر التحدي والرفض من قبل عدد من الأسر التي حاولت السلطة اعتقال أبنائهم لأسباب سياسية تتعلق بالانتماء لفصائل المقاومة، وكانت مظاهر التحدي قد تصاعدت تزامنا مع معركة سيف القدس، وشهدت ذروتها مع جريمة اغتيال أجهزة أمن السلطة في الخليل للمعارض السياسي والمرشح للتشريعي نزار بنات.
هاتان الحالتان من تصاعد الفعل المقاوم والتحدي الشعبي ينبغي أن تتواصلا بتزامن وتنسيق، لأن كلا منهما تساند الأخرى، وتشغل الاحتلال والسلطة وتشتتهما، ولكل حالة منهما تأثير واضح في تقوية الحالة الأخرى، فلا مقاومة دون مساندة جماهيرية، ولا جماهير يمكن أن تصنع فعلاً مؤثراً دون عمل مقاوم نوعي.
ولا ينبغي أن ننسى هنا أن الحالة المقاومة حالة متكاملة، وليست فعلاً عسكرياً فحسب، وهو ما ينقص الضفة اليوم، فالصاروخ في غزة ليس سوى قمة جبل الفعل المقاوم، والذي يمتد من خطبة جمعة أو جلسة علم مسجدية، إلى ساعات التعب المتواصلة في مواقع التدريب، ومن محاضرات التوعية السياسية والأمنية إلى ورشات التصنيع العسكري، وهكذا في عشرات النماذج لأعمال مدنية خالصة، تمثل كلها إسنادا للفعل العسكري المقاوم، وغياب تلك الأعمال في الضفة يمثل أحد الأسباب الجوهرية لغياب العمليات النوعية للمقاومة.